ابتليت أمتنا اليوم بما حدّث عنه حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم: “فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى أن تبسط عليكم الدنيا، كما بسطت على من كان من قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم” [وهو قطعة من حديث عمرو بن عوف المزني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين يأتي بجزيتها، وكان الرسول الله صلى الله عليه وسلم هو صالح أهل البحرين وأمرعليهم العلاء بن الحضرمي، فقدم أبو عبيدة بمال من البحرين، فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة ، فوافوا صلاة الفجر مع النبي صلى الله عليه وسلم فلما انصرف تعرضوا له ، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآهم، ثم قال: (أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشيء). قالوا : أجل يا رسول الله، قال: (فأبشروا وأملوا ما يسركم، فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى أن تبسط عليكم الدنيا، كما بسطت على من كان من قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم). رواه البخاري.] . فعندما فتحت علينا الدنيا وأظهرت زينتها، وتيسرت وسائل الحياة المترفة، تعلقت قلوبنا بها، وتنافسنا فيها، وأسرعنا السير خلفها، وهذا أدى إلى أمراض قلبية خطيرة كحب الدنيا وحب المال والحسد والتفاخر وحب الذات. وما ذلك إلا لأننا نسينا الآخرة وتوهمنا أن الحياة الدنيا هي للمتعة والرفاهية والراحة والمرح.
والحقيقة هي أن الدنيا هي دار امتحان وابتلاء واختبار، ، أما الجزاء والنتيجة فهي في الآخرة، فمن منا يتعامل مع الدنيا بهذا المنطق. ومن يربي أولاده على هذه الحقيقة ويزرعها في فؤاد ولده منذ الصغر!
فكل موقف يمر به الإنسان خلال يومه هو اختبار لفهمه ولدينه وأخلاقه، وسوف يحاسب على كل قرار اتخذه في حياته قولاً أو فعلاً أو حالاً، أما الجزاء على هذا العمل فهو في الآخرة، إن خيراً فخير وإن شراً فشر. يقول تعالى: ﴿وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً﴾ [الآية 49 من سورة الكهف].
وهذا مما يعين على المراقبة والإخلاص لله تعالى. كما يساعد على حب الآخرة والسعي لها. يقول حبيبنا صلى الله عليه وسلم : “من جعل الهموم همّاً واحداً هم المعاد كفاه الله همّ دنياه” [رواه ابن ماجة]
ويتعلم أبناء الطريقة الخلوتية الجامعة الرحمانية من خلال صحبتهم لسيدنا الشيخ حفظه الله فهم الحياة على حقيقتها بطريقة عملية، فالحياة ليست للمتع والشهوات والملذات وإنما هي سلسلة من الإبتلاءات والإمتحانات التي لا تنتهي. ومطلوب منه أن ينجح بها حتى يفوز في الآخرة ويلقى الله وهو عنه راض.
فالدنيا هي دار ابتلاء، والبلاءات هي المصائب التي تحل بالإنسان. وتكون قليلة على الكفار ﴿أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾ [الآية 126 سورة التوبة] . وكثيرة على المؤمنين، وتهدف إلى تذكير العبد الآبق ليعود إلى ربه ومولاه، أو رفعاً لدرجات العبد الصالح، عَنْ سَعْدِ بْنِ أّبِي وّقَّاصٍ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً؟ قَالَ: “الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ [أحمد والترمذي وابن حبان والدارمي].
كما أن الدنيا هي دار امتحان، وهذا يعني أن الإنسان أمام امتحان متكررة كل يوم، فهو مسؤول عن قراراته كلها مهما كان نوعها، أي أنه محاسب عن أقواله ﴿ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد﴾ [الآية 18 سورة ق] ، كما أنه مسؤول عن تصرفاته وأفعاله كلها.