ربما يكون الخلط والتخليط هم آفتا زماننا العظمتين، الخلط – حسب ابن منظور – هو ممازجة شيء بشيء لينتج عنهما ثالث، ويقال عن فاعل الخلط مِخلاطا، ما علينا، سنترك اللغة ونلج إلى الموضوع مباشرة…
الدّين والتديّن، أُريد في زماننا أن يحصل بينهما خلط، وفي الحقيقة أن المزيج الناتج عن هذا الخلط له كوارث عظمى، وتحديدا على البسطاء، وله أيضا – أي الخلط – مكاسب عظمى أيضا، وتحديدا لصالح التّجار، وعليه نقول بعيدا عن الخلط والتخليط: أن الدين أصل الهي، والتديّن تنوع انساني، الدّين جوهر الاعتقاد، والتّدين هو نتاج الاجتهاد، لذا فإن خطأ المتديّن يحمله هو، ولا شأن للدّين به، وهذه بديهية لا داعي لتفصيلها.
أدعي بعيدا عن التشاؤم، أننا نعيش في فترة حرجة للغاية، وثمن الخلط والتخليط الملازم لها ربما يكون جذوة الدّين نفسها، فبعيدا عن “المورفين” المقذوف في الهواء تحت صيغة أننا أمة مرحومة، وأن نصر الله قريب، فأنا اليوم أقول أننا في مواجهة حرب على العقيدة أبطالها نحن، بدون مواربة، عقيدة أهل السّنة تحديدا اليوم أمام محكّ ربما يكون تاريخي لم يسبق لها أن مرّت فيه، ولا داعي لسرد ما يلحق بالأمة من هزائم على جميع المستويات فربما احتجنا إلى مجلّد، لكني سأكتفي ببيان التالي:
الخلط في مسألة الدّين والتديّن له بُعدين خبيثين من طرفين:
الأول: كاهن، اختزل الدّين في فهمه، والصّواب في قوله، نعت مخالفيه بالكفر، ومراده من أمره هذا استمداد شرعية تولّيه أمر الناس، خلط الدّين بتديّنه ونمطه، فكان هو الدّين، وهو المتحدّث باسم الله، ومن خالفه فقد كفر بما أُنزل على محمّد، نمطه هذا سائد لدى العامّة، ومقبول لدى البسطاء والجُهّال…
الثاني: مفكّر، لديه مع الدّين قضية، وسوّلت له نفسه سوءا، فخلط الدّين بالتديّن، فهاجم الدّين من بوّابة التدّين، فأخذ بعض الأنماط السائدة وقال إن هذا هو دينكم، ولكن بشكل غير مباشر، نمطه هذا مقبول لمن ينعتون أنفسهم بالنخب….
وكحقيقة، النمط الثاني يحقّق اليوم انتصارات لا بأس بها، فنظريّات وأنماط التّديّن التي انخرطت في الحروب القائمة في المنطقة تتلقى ضربة وراء أخرى، وتجرّ هزيمة بعد أخرى.
يا أيها المسلمون اعقلوا، ستكفر أمة بدين الله، وأنتم تأكلون وتشربون وتتفاخدون، تحت ذريعة أن هذه الأمة مرحومة…
لا والله، إن سلعة الله غالية، ويلزمها عمل وجِدّ واجتهاد، فانزعوا عنكم علماء السوء والجهالة، الذين ما فقهوا وما علموا وما عملوا، وتبصروا العلماء الرّبانيين فيكم، ومن أرادهم فهم موجودون، يعلمهم كل صاحب بصيرة، وإياكم أن تزل قدمٌ بعد ثبوتها وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله…
بقلم: محمد حسني الشريف