الإثنين , نوفمبر 25 2024

إلى متى هذا الذل

إلى المتسائلين (إلى متى يظل المسلمون يعانون هذا الذل والهوان الذَين انحطا عليهم من جراء هذا العدو الذي سلطه الله عليهم فأخذ منهم الحقوق واغتصب منهم الأرض ونال منهم كما يشاء قتلا وتشريدا وطردا، والمسلمون مسلمون والعدو نموذج من أولئك الذين لعنهم الله في محكم تبيانه).

هذه المعركة ليست معركة بين اليهود وسكان فلسطين وأصحابها، بل هي بين هذا العدو وبين هذه الأمة الإسلامية جمعاء، فلا هي قومية ولا وطنية.

والله تعالى ألزم ذاته العلية بأن ينتصر لعباده المؤمنين والمستضعفين فقال (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ ٱلْوَارِثِينَ)، وقال (… فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ ٱلظَّالِمِينَ، وَلَنُسْكِنَنَّـكُمُ ٱلأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذٰلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ).

أنحن هؤلاء المسلمون الذين وعدهم الله في محكم تبيانه بأن ينتصر لهم؟

ما الإسلام؟ إذا كان الإسلام شعارات يجمل بها اللسان ويؤطر بها الكيان ويدعيها الناس دون شاهد يصدق هذه الدعوة أو يكذبها فما أيسر أن يكون هذا العالم كله مسلما! ولكن الإسلام ليس كذلك! إنه اعتقاد يهيمن على الكيان، ومن ثم سلوك ينسجم مع هذا الاعتقاد، والاعتقاد حقيقة جاثمة في القلب. هل نتائج هذا الاعتقاد موجودة ومتجلية حتى نستحق النصر؟ المعالم الكبرى لحقيقة الإسلام أن يكون المسلم شاكرا لنعم الله، زاهدا في الدنيا التي كرهها الله بعينيه وجعلها متاع الغرور، وينبغي أن يكون خوف الله ومهابته ملئ قلبه وكيانه.

هل قمنا بالشكر الذي خاطب الله به آل داود حين قال (ٱعْمَلُوۤاْ آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ). من قال إن الشكر مسخ في حياة المسلمين برضا من الله إلى أن آل إلى كلمة يرددها اللسان بقطع النظر عن السلوك؟!

جل المسلمين إما أصحاب غنى وثروات، يتقلبون في غناهم، نسوا المنعم والواجب، والذين هم دون ذلك يحلمون ليل نهار بأن يكونوا أمثالهم، ويعتبون على الله أنه لم يكرمهم بمثل ما أكرم هؤلاء المترفين. كلاهما غائب عن الله وعن واجباته، فأين هو شكر النعمة؟! ومن ثم يعتبون على الله كيف لم ينصرهم وهم نيام عاجزون عن نصرة إخوانهم المضطهدين.

شكر النعمة حقا أن يصرف العبد النعم التي أغدقها الله عليه للوظيفة التي خلق من أجلها. أما جل المسلمين فيظن الواحد منهم أنه مخلد، أعضاؤه وفكره ونشاطه وقدراته، كلها مجندة لدنياه، والدين يكفيه منه التفاتة أو التذكرة، أو حالة تمر به مر الكرام، هذا إن التفت إلى الدين وإن مد بينه وبين الدين هذا الخيط الواهي.

والمظهر الثاني في الإسلام، الزهد في الدنيا، وأحسب أن هذه الكلمة أصبحت كلمة غريبة في أسماعنا وفي ساحات أحاديثنا وتذكرتنا وحواراتنا الدينية والإسلامية. الزهد أصبح شيئا تاريخيا، بل إن في المسلمين اليوم من يستخف بكلمة الزهد عندما تتكرر على الألسن، وأنظر إلى كتاب الله فأجد ربعه يركز على ضرورة الزهد في الدنيا والابتعاد عن متاع الدنيا والترفع فوقها (ٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي ٱلأَمْوَٰلِ وَٱلأَوْلَٰدِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ ٱلْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَٰهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَٰماً وَفِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَٰنٌ وَمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَآ إِلاَّ مَتَٰعُ ٱلْغُرُورِ).

أَنظر وقد أمرني الله أن أسخر دنياي وأجعلها مطية لآخرتي، هذا هو معنى الزهد. أنظر وإذا بجل المسلمين قد جعلوا من الدين مطية ذلولا ليصلوا بها إلى دنياهم وشهواتهم وأهوائهم. تجرد المسلمون من معنى الزهد الذي يدفهم للتضحية أمام البغاة حتى صاروا ضحايا للبغي والعدوان.

ومن مظاهر الإسلام أيضا أن يتجلى مظهر الهيبة والرهبة من الله وأن يظهر في الكيان، أين هم المسلمون الذين هيمنت مخافة الله وهيبته على سلوكهم في عباداتهم وتبتلهم ومظاهرهم؟!

عندما يكون المسلمون اليوم شاكرين لنعم الله كما أمر، زاهدين في الدنيا كما قد أمرـ تحولت أفئدتهم إلى أوعية تفيض مخافة ومهابة من الله، فأنا أضمن للعالم الإسلامي كله أن الله سيطهر هذه الأرض من هذا الرجس الصهيوني، ولكن من شأن رب العالمين أن يؤدب عباده بعصي التأديب، وليس معنى هذا أن فلسطين ستكون جنة وارفة الظلال لليهود، لا، لن يجدوا استقرارا ولا أمنا ولا طمأنينة فوق تلك الأرض، كيف وقد توعد الله قائلا (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ)، لكن ينبغي أن نعلم أن هذا الوعيد لا يعني انتصارنا نحن، ونحن على هذه الشاكلة المخزية. سيعاقب الله اليهود كلما تجمعوا في تلك الأرض، ولسوف تتفجر عليهم تلك الأرض براكين.

عصي التأديب تتهاوى على المسلمين لتوقظهم، ووعيد الله يلاحق اليهود أيضا لينكث فيهم، ليس على أيدينا نحن الغارقون في الملذات، إنما على أيدي أولئك الشاكرين الزاهدين، الذين أذاقوا العدو مرارة الهزيمة وزرعوا في قلوبهم الخوف والذعر رغم الدم الكربلائي المهراق، ينصرون بدمهم على سيف الباطل، ويسطرون بأجسادهم ملاحم البطولة في زمن التخاذل، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.