جدير بنا أن نتفاعل مع كلمات رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطابه للمسلمين، وقد أظلهم شهر رمضان كما تفاعل أصحابه رضوان الله عليهم، كان إذا أقبل هذا الشهر كأنما يُخلَق الواحد منهم خَلْقاً جديداً، يُقْبِل إلى الله بكل شراشره، يتوب من كل ما قد يتخيله تقصيرا أو نقصا أو سهوا أو خطأ ارتكبه في جنب الله، يقف وقته كله على استنزال رضوان الله، نهاره صائم صومه الذي يرضي الله، وليله قائم القيام الذي يرضيه، وتشيع فيما بين المسلمين بعضهم مع بعض معاني الألفة والمساواة والمواساة.
إن كل ما يمكن أن يدخره المسلمون من عدد ووسائل مادية على الرغم من أهميتها لا تغني عن المسلمين أي غنى ما لم يتمثل المعنى الذي يقوله المصطفى صلى الله عليه وسلم في سلوكهم وأخلاقهم، وما لم يعودوا إلى مولاهم وخالقهم عودا حميدا بالتوبة والإنابة أولا، ثم بالعزم على السير إلى الله على صراطه المستقيم ثانيا، ثم أن يتجهوا إلى الله بانكسار وبذل ثالثا.
فرصة رمضان فرصة ذهبية، شهر النصر، وشهر التأييد الرباني لعباده، فإذا أقبل المسلمون إلى الله تعالى فيه بصدق، وكان في مقدمة المقبلين إلى الله قادة المسلمين وحكامهم والبطانة التي تدور من حولهم، إذا التجؤوا إلى الله بصدق، وتابوا من الآثام والذنوب التي يتعرض لها المسلمون جميعا في كل آن فإن الله ينتشلهم من وهدة هذا الذل.
ليس في العالم كله من هو أغنى من العالم العربي والإسلامي، أرضه صندوق للكنوز والمدخرات الكثير، ولقد متعه الله تعالى بأضعاف ما قد متع به الآخرين، ولكن العجب العجاب أنهم يظهرون مع ذلك أنهم فقراء. العلم مغروس في رؤوسهم، والقوة المادية موجودة فيما بينهم، ولكن قضى الله تعالى أن لا ينتصر المسلمون اعتمادا على الأجهزة التي يعتمدها أعداؤهم، على الرغم من أن الله أمرهم بالاعتماد عليها، لن تنفعهم ولن تغني عنهم شيئا لأن الروح التي ينبغي أن تسري في ذلك كله غير موجودة.
“وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون”، جميعاً، سواء الذي يرى نفسه عاصياً أو الذي يرى نفسه معصوما عن المعصية.
لا تجعلوا من المسكنة هالة تتجملون بها في الحفلات وبين إخوانكم، هل لكم أن تجعلوا المسكنة تنبثق من أفئدتكم، من دخائل نفوسكم؟ هل لكم أن تقولوا لمولاكم بصدق: ها نحن قد عدنا وتبنا إليك يا ربنا فاقبل اللهم توبتنا وصدق التفاتتنا إليك؟