سيدنا الشيخ حسن خير الدين الشريف رحمه الله
هو الحسيب النسيب العارف بالله الشيخ حسن بن الشيخ خير الدين بن الشيخ عبد الرحمن الشريف (نفعنا الله بعلومهم جميعاً)، من أرومة السادة الأشراف الفواقا في مدينة الخليل، درة أولياء زمانه. ينتهي نسبه الشريف إلى سيدنا الحسين بن السيدة فاطمة الزهراء.
ولد رحمه الله في بيت والده سيـدنا الشيخ خير الدين الشريف سنة 1926م = 1344هـ. حيث تربى تربية دينية ونهج نهج الصوفية الذي أهلّه أن يكون فيما بعد وصياً على أتباع والده الكثر في الطريقة الخلوتية الجامعة الرحمانية. كما كان له الأثر الأكبر في العناية بولده سيدنا الشيخ حسني الشريف والذي آلت إليه مشيخة الطريقة فيما بعد.
يقول سيدنا الشيخ حسني الشريف عن والده الشيخ حسن رحمه الله في كتاب عاشق النور: (تعلقت بوالدي كما تعلق بي, وكان يصحبني قبل أن أدرك وبعده, في كثير من زياراته وأسفاره, فلم أكن أقوى على فراقه وأظنه كذلك, وكأنّي أسابق الزمن وأستغل ساعاته وأيامه قبل أن يدنو الفراق, ولأنهل من أنواره وأسراره ما أجعله ذخيرة لأيامي وآلامي).
وفاته:
وقد ذكر في ترجمته أنه (وقبل وفاته بشهور معدودة نوى حج بيت الله الحرام، وزيارة المدينة المنورة على ساكنها الصلاة والسلام لوداع جده المصطفى وتقبيل أعتابه. وقد اصطحب في هذه الزيارة ولده الشيخ حسني رضي الله عنهما. فأدى فريضة الحج بإخبات، متجرداً عن الدنيا وزينتها، فنحل جسمه واشتد صداعه بسبب المرض، وما لبث شهورا أن فاضت روحه الطاهرة إلى بارئها. وكان ذلك في الثامن والعشرين من شهر شعبان سنة 1404هـ الموافق للتاسع والعشرين من شهر أيار 1984م، حيث ووري الثرى في مقبرة وادي السير في جنازة مهيبة أغلقت طريق المدينة وظهر فيها كما في حياته الكثير من الإشارات والكرامات ما دل على كمال ولايته ورفعة درجته).
نقل الجثمان:
وبسبب الخوف من الاعتداءات المتكررة على المقبرة وفتح القبور لدفن موتى جدد، وخشية على القبر الشريف من عوامل الزمن، وبسبب إقرار مشروع قص المقبرة الذي تنوي القيام به أمانة عمان لتوسعة الشارع المجاور، قام سيدنا الشيخ حسني الشريف بنقل جثمان والده الشريف يوم الخميس الثالث عشر من شهر ذي القعدة لعام ألف وأربعمائة وأربعة وثلاثين للهجرة الموافق للتاسع عشر من شهر أيلول لعام ألفين وثلاثة عشر للميلاد إلى القبر الذي أعده له في زاوية الأشراف المغاربة، ليكون شاهداً على التاريخ كما هي شواهد الأولياء في حواضر العالم الإسلامي.
كما أعيد القبر السابق في مقبرة وادي السير والذي ضم بين جنبيه جثمان سيدنا الشيخ رحمه الله لتسع وعشرين سنة إلى سابق عهده، ليبقى شاهداً على تاريخ تلك الحقبة من الزمن الطيب الأثر، وكل من زاره هناك يشتم رائحة تلك الأيام الخالية المليئة بالطيب والمفعمة بالسكينة.
المقام:
أما مقام سيدنا الشيخ حسن خير الدين الشريف فيقع في زاوية الأشراف المغاربة (زاوية دار الإيمان) في مدينة عمان في الأردن في منطقة بيادر وادي السير، حي الجندويل، عند تقاطع شارع الصفوة مع شارع الصدارة. (ولعل اسمي الشارعين يدلان على جاه صاحب المقام عند الله تعالى).
وقد بني المقام الشريف في الجهة الشرقية من الزاوية، وهو مستقل عن مكان الصلاة استقلالاً تاماً، وهو مرتبط من حيث البناء بالمبنى المجاور (بيت سيدنا الشيخ حسني) أكثر من ارتباطه بالزاوية شأنه بذلك شأن مقامات الأولياء حيث تكون في أطراف المساجد والزوايا.
والمقام عبارة عن غرفة واسعة حسنة الطراز مبنية من الحجر الأبيض من الداخل والخارج. وقد بني فوق المقام قبة حجرية رائعة الجمال على نمط القباب الخماسية. وفي داخل المقام توجد ثلاثة قبور، يقع القبر الشريف لسيدنا حسن رحمه الله الأول في الترتيب من جهة القبلة.
وللمقام عدة شبابيك ذات تصميم خشبي رائع مطلية باللون الأخضر تطل على جميع الجهات. ويعلو شباك الزيارة الشرقي من الخارج حجرٌ أبيض مكتوب عليه باللون الأسود الآية الكريمة ﴿سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ﴾ [الآية 24 من سورة الرعد] ، لعلها تشير من بعيد إلى ما تميز به سيدنا الشيخ حسن رحمه الله من صبرٍ وحلمٍ ورحمةٍ عز نظيرها بين الناس، حتى صارت صفة ملازمة له، فلا يذكر اسمه في مجلسٍ إلا وتتبادر للسامع هذه الصفات. جاء في كتاب عاشق النور: (أما الصبر! فله عند أهل الله وعند آل البيت قصة أخرى تختلف عن صبر البشر، ولا يقوى عليه بمعانيه الوجدانية وإحساسه الراقي إلا آل البيت الأطهار، لأنهم عنوانه والأسوة فيه، ولأنهم يتوارثونه بينهم نفساً ورشحاً وشمّاً، من خلال الأرواح والأنوار القدسية، فها هو الشيخ الجليل “يقصد سيدنا الشيخ حسن صاحب المقام”، وبعد أن بلغ ولده شريف الثالثة عشرة من العمر يختاره تعالى إلى جواره، بعد معاناة مع المرض، ويصبر الوالد صبر الرجال العظماء لفقد فلذة كبده، وبصبر على البلاء ويحتسب الفقيد عند الله تعالى، ولا يزيده الصبر إلا حلماً ورضىً، وكان درساً عملياً للطفل الشريف “يقصد سيدنا الشيخ حسني الشريف” يقف خلاله والده الفاقد أحد أولاده بثبات ورصانة، ويُغسّل ولده شريف غُسل الموت، ثم يكفّنه بيديه في صبر عزّ نظيره، وتسليم مطلق لقضاء الله وقدره, وأستاذيه خارقه قل نظيرها).
القبر الشريف:
أما مشهد القبر الشريف فهو تحفة معمارية متناسقة رائعة الجمال، مبني من الحجر المحدب بطريقة أخاذة، تعلوه جحارة رخامية مصقولة مغطاة بقطعة قماش مخملية خضراء اللون مطرزةٌ بآياتٍ من القرآن الكريم، وله شاهدين حجريين رائعي التصميم كتب على الذي عند رأسه (هنا يرقد الشريف الحسيني مولانا العارف بالله الشيخ حسن بن الشيخ خير الدين الشريف قدس الله سره) وكتب على وجهه الآخر (ضريح الشريف الحسيني مولانا العارف بالله الشيخ حسن بن الشيخ خير الدين بن الشيخ عبد الرحمن الشريف قدس الله سره)، أما الشاهد الثاني في الجهة الشرقية من المشهد ومكتوب عليه ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّـهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [الآية 62 من سورة يونس].
الزيارة:
يمكن للزائر أن يقوم بالزيارة من خلال شباك الدرج الذي ينزل من حرم زاوية الأشراف المغاربة إلى المقام الشريف، أو من خلال الشباك الشرقي المطل على العمارة المجاورة، كما يمكنه أن يدخل إلى داخل غرفة المقام من الجهة الشمالية ويقوم بالزيارة من أمام صاحب المقام مباشرة.
والزائر للمقام الشريف يستشعر صفاته الكريمة فقد كان هادئ الصوت، متأدباً في مشيته، لطيفاً عند السؤال، ولا يجيب إلا عن تفكير وروية، من رآه أحبه، طلق المحيا، باشّ الوجه، حلو الحديث، رقيق الحاشية، طويل الصمت، رزين الطبع، حليماً، رحب الصدر، رفيقاً في تدبير الأمور. كريماً في السراء والضراء. خطيباً مؤثراً، متقناً لتلاوة القرآن. صوته نديّ ترق له القلوب وتدمع له العيون.
وعندما تقف أمام قبره الشريف وتسلم عليه تشعر أنه واقف باستقبالك بقامته الطويلة بحفاوة وكرم ضيافة ،تجعلك تتضائل أمام هذا الرجل العظيم، فتتأدب معه، وتدعو الله من عند أعتابه أن يغفر الله لك، وأن يجعلك أهلاً لصحبته في الدنيا والآخرة، إنه سميع مجيب الدعاء.