الطرق الصوفية عموماً هي مدارس في التزكية والتربية متصلة السند حتى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكما أن هنالك أسانيد لقراءة القرآن الكريم يعرفها القراء وهنالك أسانيد الحديث الشريف يعرفها أهل الحديث، هنالك أسانيد في التربية والتزكية يعرفها أهل الطرق الصوفية ويحفظونها بكل عناية. وأما اسم الطريقة فمقتبس من القرآن في الآية ﴿وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقاً﴾[الآية 16 سورة الجن].
والطرق الصوفية ليست فرقاً إسلامية، بل هي من نسيج الاسلام الجامع فجميعها تتبنى عقيدة أهل السنة والجماعة من الأشاعرة والماتريدية، وتتبع أحد المذاهب الأربعة. والاختلاف بينها إنما هو في طريقة التربية والسلوك إلى الله عز وجل. وهي الأدوات التي يستعملها الشيخ حتى يصل بمريده إلى الإخلاص والتقوى والصلاح وحسن الخلق وتحويل الصفات الذميمة للنفس إلى صفات حميدة. فيحص له صفاء السريرة ونقاء القلب وسمو الروح ليكون أهلاً لنظر الله وعنايته.
وتختلف الطرق الصوفية في أساليب تربية مريديها حسب الزمان والمكان ولكنها جميعاً لا تخرج عن كتاب الله وسنة رسوله، بل هي من باب الاجتهاد المفتوح للأمة والمستند إلى النصوص الشرعية.
ويرجع أصل الطرق الصوفية إلى عهد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما كان يخصّ كل من الصحابة بورد يتفق مع درجته وأحواله: أما سيدنا علي بن أبي طالب، فقد أخذ من النبى الذكر بالنفى والإثبات وهو (لا إله إلا الله). وأما سيدنا أبو بكر الصديق، فقد أخذ عنه الذكر بالاسم المفرد (الله).
ثم أخذ عنهما من التابعين هذه الأذكار وسميت الطريقتين: بالبكرية والعلوية. ثم نقلت الطريقتين حتى إلتقتا عند الإمام أبوالقاسم الجنيد. ثم تفرعتا إلى الخلوتية، والنقشبندية. واستمر الحال كذلك حتى جاء الأقطاب الأربعة السيد أحمد الرفاعى والسيد عبد القادر الجيلانى والسيد أحمد البدوي والسيد إبراهيم الدسوقى وشيّدوا طرقهم الرئيسية الأربعة وأضافوا إليها أورادهم وأدعيتهم. وتوجد اليوم طرق عديدة جدًا في أنحاء العالم ولكنها كلها مستمدة من هذه الطرق الأربعة.
كما اختلفت مدارس التصوف حسب الزمان فعندما كانت الدولة الإسلامية ذات منعة وقوة، ركز الصوفية جهدهم على الأوراد والمجاهدات للترقي كما هي حال ساداتنا الدسوقي والشاذلي وغيرهم. وعندما كانت حدود الدول مستباحة والدولة ضعيفة، خرج المريدون من زواياهم وجاهدوا في الله لرد الأعداء كما كان حال سيدنا أحمد البدوي. وعندما كان هناك أعداء متربصون بالأمة بنى الصوفية الربط وهي تقوم بدور الزوايا والمراقبة على الحدود ومنها نشأت دولة المرابطين. وعندما تزدهر الدولة الإسلامية وتنمو عناصر الحضارة فيها يسمو التصوف إلى مراتب الذوق والوجد والأنس كما كان حال مولانا جلال الدين الرومي وطريقته المولوية.
ولابد من الإشارة إلى أننا نتكلم عن التصوف الصحيح لا عن أدعياء التصوف الذي استغلوا جهل الناس وادعوا الكرامات وخوارق العادات ليدلسوا على الناس لمآرب مادية أو جاه أو سلطان أو لدور عمالة يقوم به خدمة لأعداء الدين. وجميع هؤلاء لا يمثلون التصوف ولا حتى الإسلام ومحاربتهم وكشف ضلالاتهم واجب شرعي وأخلاقي.