الجمعة , نوفمبر 22 2024

العجوز الشمطاء الصالحة… تكشف لكم الطريق

العجوز الشمطاء الصالحة… تكشف لكم الطريق – فرغت للتّو من قراءة مذكرات رئيسة الوزراء “الإسرائيلية” جولدا مائير، الكتاب الذي انتظر على رفّ مكتبتي كثيرًا قبل أن أستدعيه مُشمئزًا، فغلافه الذي زيّنته نجمة زرقاء سداسية، وعجوز شمطاء ذات شاربين محلوقين، قد أبعده عني لبعض الوقت، مع علمي أن ساعة “الحقيقة” ستدق بالمحصلة، في الحقيقة، استفدت منه كثيرًا على عكس ما بغت الكاتبة.

“جولدا مائير” التي ولدت في “كييف” من أراضي أوكرانيا التي كانت سوفييتية، وانتقلت لتعيش طفولتها المبكرة مع أبويها اليهوديين الى “بنسك” من أراضي بلاروسيا التي كانت سوفييتية أيضا، ولدت في عام 1898، وللمفارقة فهو العام الذي انعقد فيه المؤتمر الصهيوني الأول في بازل من أراضي سويسرا الذي أعلن فيه “تيودور هرتزل” أن وطنا قوميًا لليهود سيكون في فلسطين خلال خمس سنوات أو خمسين، وكان بعد خمسين، بالضبط، لا علينا…

روت “جولدا” الفكرة كاملة في مذكّراتها، صدقت في مواضع، وكذبت في أخرى، ولا يعنيني كثيرًا أين صدقت وأين كذبت، بقدر ما تعنيني نتيجة عملها، فقد حقّقت ما أفنت عمرها به، ونجحت “الفكرة” بفعلها وفعل آخرين، فهي تعتبر “الرجل” الثالث في “إسرائيل” بعد كل من بن جوريون وبن زلفي، عاشت طفولة مأساوية كما تروي، مجملها اضطهاد لليهود من الرّوس، ثم انتقلت إلى ويسك ونسن الأمريكية في عام 1906، وانضمت إلى منظمة العمل الصهيونية في 1915، ثم قامت بالهجرة إلى فلسطين بصحبة زوجها في عام 1921، عملت كوزيرة للعمل 1949، وللخارجية 1956، ثم كرئيسة للوزراء 1969 حتى حرب أكتوبر التي سمّتها في فصل منفرد “الهزيمة”!.

كل ما سبق كان لا يعنيني، كان كل همّي أن أتحسس الطريق، ولإيماني بأن النجاح له طرق محددة أسمّيها سننا كونية، ليست حكرًا على المسلم، بل هي من نصيب من يعمل لأجلها، كنت أبحث في طيّات مذكّراتها عن تلك السّنن، ووجدتها! ، كانت “فكرة” إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين أشبه بمزحة كما تقول جولدا، فكيف ستقيم وطنا في أرض ليست لك، ولا يوجد بها من هؤلاء اليهود إلا اليسير، وأنت مضطهد، وليس لديك مال، الإجابة كانت ببساطة هي إيمانك بالفكرة، والعمل لأجلها. فقط.

لن أزيد في تبيان ما قالت، وما فعلت، لأنني أدعوكم لقراءته، لكنّي سأشير إلى التالي:

فلسطين ذهبت منّا بعمل جبّار من عدوّنا، أكثر ممّا نتخيّله أو يصوّره إعلامنا، وأجزم أن ما نحتاجه من عمل لاستعادتها هو رُبع ما بذلوه في سلبها، وهذا الرّبع المطلوب قد أُنجز نصفه اليوم، مُمثلا في حركات المقاومة المسلحة بكافة أشكالها ومنابتها، والنّصف الباقي يتمثّل في أن نؤمن معهم بالفكرة، ونعمل، أو أن نصمت مخزيّين وندعهم يعملوا، هذه الأرض سُلبت بالدّم، ولن تعود إلا بالدّم، ومن كان دمُه أطهر من أن يُسكب على ثرى فلسطين، فليصمت حتى يموت دون أن ينزف دمه على أي أرض أخرى، فليس ثمة أرض أطهر، وليس ثمة قدس أخرى.

بقلم محمد حسني الشريف