الخميس , نوفمبر 21 2024

ركن الطريقة الثاني: الامتثال

فُطر الإنسان على طاعة من يحب. فكيف إذا كان المحبوب هو الله، وكيف إذا كان المحبوب هو حبيب الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ! فنعني بـ الامتثال من الناحية الشرعية: اتباع أوامر الله ورسوله وأولي الأمر. قال تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾[الآية 59 سورة النساء]

ذكر ابن كثير في تفسيره، المجلد الأول، صفحة 528 في تفسير هذه الآية قال: (أخرج الشيخان من حديث يحيى القطان قال: قال أبو داود حدثنا مسدد، حدثنا يحيى عن عبد الله حدثنا نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وفيما كره ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة” )[اللفظ للبخاري]. فالأصل هو الشرع. والامتثال له هو الواجب. ولذلك جـاءت صيغة عهـد طريقتنا (أن طاعة الله والرسول تجمعنا، وأن معصية الله والرسول تفرقنا).

وأخرج الشيخان عن عبادة بن الصامت قال: “دَعَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَبَايَعْنَاهُ، فَكَانَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا، أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ، قَالَ: إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ.[البخاري ومسلم]

وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما {وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُم} يعني أهل الفقه والدين. وكذا قال مجاهد وعطاء والحسن البصري وأبو العالية {وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُم} يعني العلماء. يقول ابن كثير بعد ذلك: “والظاهر والله أعلم أنها عامةٌ في كل أولي الأمر من الأمراء والعلماء”.

وفي الحديث المتفق على صحته، عن أبي هريرة عن رسول الله أنه قال (من أطاعني فقد أطاع الله. ومن عصاني فقد عصى الله. ومن أطاع أميري فقد أطاعني. ومن عصى أميري فقد عصاني). فهذه أوامر بطاعة العلماء والأمراء، ولهذا قال تعالى ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ﴾ أي اتبعوا كتابه، ﴿وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ أي خذوا سنته، ﴿ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ :أي فيما أمروكم به من طاعة الله في غير معصية، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق لحديث إنما الطاعة في المعروف” .[البخاري ومسلم، واللفظ للبخاري]. وقال تعالى ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا﴾[الآية 69 سورة النساء].

ثم إن هناك أمراً مباشراً بالطاعة لرسوله صلى الله عليه وسلم، وأنها من طاعة الله تعالى. قال تعالى﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾[الآية 80 سورة النساء]. وهناك وعيد من الله لعباده المخالفين لأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، وذلك بقوله تعالى ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾[الآية 63 سورة النور].

إن التحقق الصحيح من معاني هذا الركن (الامتثال) لا يتم إلا بمتابعة شيخ عارف وعهد على الطاعة وصحبة وأخوة. فعن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال “من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه” [المستدرك على الصحيحين].

وهنا لا بد من الإشارة إلى ضرورة اتباع أوامر الشرع الشريف، وإلى تحري الجماعة العاملة بأحكام الشرع، بعيداً عن أدعياء السلوك الذين ابتلي بهم أهل الله.