إن قلب الإنسان لا يخلو من آفاتٍ قاتلةٍ نهى الشرع عنها، كالنفاق والرياء والأنانية وحب الشهرة والكبر والعجب والبخل، فإذا غفل المرء عن حقيقة هذه الآفات فهو في الخسران المبين، وكان من الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً. وإذا أدرك حقيقة وجود هذه الآفات وأراد التخلص منها فلن يستطيع ذلك عملياً إلا من خلال وارث محمدي مأذون يستطيع القيام بهذه المهمة، وهي مهمة شرعية ذكرها الله تعالى في قوله ﴿هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة﴾ . فعلى الذين يدّعون أنهم قادرون على السلوك بمفردهم من خلال الممارسة والكتب وقراءة القرآن أن يعلموا أن ذلك لا يكفي لتقويم آفات النفس وعيوبها، قياساً على الوظائف الثلاثة التي ذكرتها الآية الكريمة، وكلٌ منها لا يُغني عن الآخر ﴿يتلوا عليهم آياته﴾ ﴿ويزكيهم﴾ ﴿ويعلمهم الكتاب والحكمة﴾ ، وفي هذا رد صريح على القائلين بإمكانية السير دون المرشد.
وما أروع الذي شبه الشيخ المرشد أو الوارث المحمدي بالطبيب الذي يصف الدواء، وشبه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بالدواء. إذ لا بد من كليهما، فإذا عرفت الداء فلا بد من طبيب يصف لك الدواء ويراقب حالتك بعده، إلى السوء تميل أم إلى التحسن. فلا يمكن للمرء وحده أن يعالج أمراضه القلبية دون دواء، ودون من يعرف الداء، ودون من يصف الدواء، وفي هذا بيان لحتمية تلاوة كتاب الله لأنه الدواء، وحتمية معرفة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن فيها النجاة، ولكن لا بد معها من الطبيب العالم الذي يفهم شرع الله ويـراقب أحوالك من خلال عمـلك في طاعة الله، وهـو معنى ﴿ويزكيهم﴾ . وهي وظيفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وورَّاثه من بعده ﴿من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً﴾.
هذا أبي بن كعب رضي الله عنه يقول في هذا المعنى: “كنت في المسجد فدخل رجل فصلى فقرأ قراءة أنكرتها عليه، ثم دخل آخر فقرأ سوى قراءة صاحبه، فلما قضيا الصلاة دخلنا جميعًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه، فدخل آخر فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه، فأمرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرءا فحسَّن النبي صلى الله عليه وسلم شأنهما، فسقط في نفسي من التكذيب ولا إذا كنت في الجاهلية، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قد غشيني ضرب في صدري فَفِضْتُ عرقاً، وكأنني أنظر إلى الله عز وجل فرقاً”.
هذه هي التزكية التي لا تكون إلا بالصحبة الطيبة مع شيخ مرشد، وإلا ضاع المرء وتاه في غياهب عَرَفَ الشيطان خباياها، واستمكن بها لينقضَّ على أصحابها في الوقت المناسب، يقنصهم ويزيغ بهم عن الصراط المستقيم. وبهذا عرفنا أن تلاوة القرآن وممارسة الطاعة بصورة منفردة شيء والتزكية شيء آخر.