لكي تتحقق وحدة الأمة لابدَّ أن يتحقق في حياتها الهدف الأوحد، يوضع الهدف الأوحد محوراً، ومن ثمّ تتحقق دائرة الوحدة من حول هذا المحور، عندما تعيش الأمة وليس لها هدف قدسي واحد يملأ كيانها ويملأ فراغ فكرها؛ فهيهات لشعار الوحدة أن يتحقق.
عندما تفرق الجماعة أهداف شتى وأفكار مختلفة متناقضة شتى، كيف السبيل إلى أن تتحد؟ وكيف السبيل إلى أن ترقى صعداً إلى المستوى الباسق؟ إلى هذه الوحدة؟ لا يتأتى ذلك، المنطق ينكره، وقانون الهندسة ينكره، ضع المحور تتحقق لك منه الدائرة، والمحور هو الهدف، وانظروا إلى هذه الحقيقة كيف تتمثل ناصعةً في كتاب الله سبحانه وتعالى. إذ يخاطبنا في الآية التي ما أظن أن في عباد الله العرب من لم يقف عند هذه الآية، وتبينها: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا}.
لو أن البيان الإلهي بدأ فقال: {وَلا تَفَرَّقُوا}قبل أن يضع المحور المتمثل في هذا الحبل، حبل الله سبحانه وتعالى، إذن لما كانت ثمة فائدة لهذا الأمر، ولما انقاد الناس، ولا يستطيعون أن ينقادوا لقوله عز وجل: {وَلا تَفَرَّقُوا} لكي لا نتفرق لابدَّ من محور يجذبنا إلى عدم التفرق، والله عز وجل حكيم بمقدار ما هو عليم، ولذلك وضع المحور أولاً فقال: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ} أمرنا بالتلاقي على هذا المحور، أمرنا بالتلاقي على هذا الهدف القدسي، ومن ثم قال: {وَلا تَفَرَّقُوا} مشكلة أمتنا اليوم.
مشكلة أمتنا العربية أنها تنشد الوحدة ولا تبحث عن المحور، لا تبحث عن الهدف، ومن ثم فإن هتافها يذهب أدراج الرياح، تلك هي الحقيقة ، غاب هذا المحور الذي كان ذات يوم فعّالاً في حياة هذه الأمة، بعد أن كانت مضرب المثل في التفرق والتشرذم، أدى هذا المحور دوره، حقق الكثير والكثير، نسج وحدة ما مثلها لهذه الأمة، فأصبحت مضرب المثل في الوحدة والاتفاق والتضامن، لماذا؟ لأن سائر الأهداف المتناقضة الفرعية تساقطت من أفكارها وأصبحت أفئدتها وعقولها وعاءً لهدف واحد تمثل في حبل الله عز وجل، تلاقت الأمة على هذا الهدف، ومن ثم ازدهرت الوحدة في كيانها، ومن ثم تحقق من خلال هذه الوحدة عزها، تحقق غناها، تحققت قوتها.
أما اليوم فالمشكلة أن هذا الهدف الأقدس انطوى من حياة أمتنا، وأصبح هدفاً فردياً جزئياً، يعتنقه هذا وذاك والآخر.