ينبغي أن تعلموا أنها حقيقة علمية قبل أن تكون دينية ما أأكده لكم من تسبيح الجمادات لله. خلق الله المخلوقات متنوعة وجعل لكل صنف منها وسيلة لذكره، فجعل وسيلة الذكر لابن آدم عقله وقلبه، وجعل وسائل لذلك لا نعرفها لذكر الشجر والحجر والحيوانات. كل قد علم صلاته وتسبيحه إلا من أعرض من ابن آدم.
في كل صباح، وبين بزوغ الفجر وإشراقة الشمس تتلاقى طيور كثيرة، وتنحط متفرقة على أغصان الشجر، وتبدأ بتلاوة أورادها بترنيمة جماعية، لا يتحرك طير من مكانه من الغصن الذي انحط عليه إلى أن تشرق الشمس ويعلو النهار، وعندئذ تتفرق هذه الطيور كل إلى شأنه، فكيف أكون أنا أمام هذه الحيوانات مثالاً للإعراض عن الله، وتكون هذه الحيوانات مثالاً للإقبال على الله وديمومة ذكر الله، بل كل الجمادات لها ألسنة على قدر ما شاء الله أن تتمتع بها، ولها لغتها التي أوجدها الله تعالى بها، فهي بهذه اللغة تعدو إلى بارئها بالذكر والتسبيح.
روى البخاري في صحيحه عن حنين الجذع الذي كان يتسند إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيباً في أيام الجمعة قبل إنشاء المنبر فأقصي الجذع إلى مكان بعيد، فلما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب على المنبر سمع كل من في المسجد أزيزاً ينبعث من جوف ذلك الجماد، إلى أن نزل المصطفى صلى الله عليه وسلم واتجه إلى الجذع فعانقه ومسه بيده الشريفة إلى أن هدأ وسكن، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجذع فأعيد إلى المكان الذي كان يخطب فيه ودفن تحت المنبر (…كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ…)، (…وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ…).
ومع ذلك يظل الإنسان – إلا من رحم ربي – مثالاً لقسوة القلب والإعراض عن الرب، وتظل الكائنات المسخرات لابن آدم من شجر ودواب ونجم وحيوان وطيور وأنعام، تظل مثالا لتسبيح الله وذكره، إنه لأمر عجيب.
الشيخ حسني حسن الشريف