إن معرفة النفس فرض عين لكل سالك في طريق الآخرة، لأن من عرف نفسه عرف ربه. وأعني بالنفس اللطيفة الربانية التي سُمِّيت فيما بعد بالروح، حيث كانت قبل تعلقها بالجسد في جوار الحق تعالى، ولما وُجد الجسد تعلقت به ومالت إلى طبيعته الشهوانية، ووصفها الحق بأنها أمارة بالسوء ما لم تتزكى ﴿وَمَا أُبَرِّئ نَفْسِي إِنَّ النَّفْس لَأَمَّارَة بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي﴾ ، فحالها بدون تزكية حال ظلمة وهبوط، وإذا تزكت فهي نفس نورانية تحققت من مراتب النفس السبعة.
وقد عُنيت طريقتنا الخلوتية الجامعة الرحمانية بهذا الجانب وتميزت به، فهي تراعي في السالك التخلص من آفات النفس المذمومة لتحيلها إلى أخلاق حميدة مشكورة. فعلى السالك أن يتنبه لحقيقة نفسه ويسعى لتزكيتها على يد مرشد وارث متصل برسول الله صلى الله عليه وسلم، قبل أن تأتي سكرة الموت بالحق.
وليعلم السالك أن النفس تمرض كالجسد، فكما تذهب للطبيب لعلاج جسدك، وأخذ الدواء اللازم له، كذلك النفس لابد لها من طبيب وهو الشيخ، ولابد لها من دواء وهو الذكر الذي يصفه الشيخ. يقول الله تعالى: ﴿وَنَفْس وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾. وقال أيضاً: ﴿وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ﴾.