الجمعة , نوفمبر 22 2024

اطلاق كلمة ” سيدي” على رسول الله

من التقديرِ الواجبِ لـ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وصحابتهِ وأهلِ بيته وأولياءِ أمتهِ تكريمُهم بألفاظِ التقديرِ والرفعةِ، ومنها لفظُ السيادة. وقد رأى الإمام الشافعيُ أن ذكر اسمِ الرسول صلى الله عليه وسلم بلا سيادة فيه من سوء الأدب ما يكفي، بل إن الإمام ابن عبد السلام أفتى في قضية الطالب الذي قال لا يزاد في الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر سيدنا، بأن يؤدب في السجن، وبقي هناك حتى شُفِّع فيه فخلى سبيله، كما في كتاب «إكمال الإكمال».

والملفت للنظر أن الذين يذكرونَ الاسم الشريف مجرداً هم المستشرقون ومن لا خلاق لهم. ولا يجوزُ أيضاً التشبُه بالكفار في ذكره صلى الله عليه وسلم من غير السيادة استهانة بقدره الشريف. وإذا نظرنا إلى آيات القرآن العظيم نجد أن الله تعالى ذكر السيادة للبشر، فامتدح سيدنا يحيى عليه الصلاة والسلامُ بقوله تعالى ﴿وسيداً وحصوراً ونبياً من الصالحين﴾ ، بل إن القرآن الكريم ذكر لفظ السيادة في حق من لا يملكون الرفعة، فقال في سورَةِ يوسف ﴿وألفيا سيدها لدى الباب﴾.

أما أولئك الذين يتعللون بالحديث الشريف “السيدُ الله…” فقد حَرموا أنفسهم من خير عميم لجهلهم بأمورِ دينهم، فقد ردَّ عليهم ابنُ عجيبةَ في حاشيته على «الجامع الصغير»، بأن الحديث يبيِّن أن الله هو الذي يحق له السيادة المطلقة على الكون، بمعنى المالك القاهر والمهيمن، لأنه سيد كل ذي سيادة، إذ الخلق كلهم عبيده، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله (أي حديث: السيد الله) لَمَّا خوطب بما يخاطب به رؤساء القبائل من قومهم أنت سيدنا ومولانا (بالمعنى القبلي للسيادة)، أنت سيد قريش. وكانوا قريبي عهد بالإسلام وأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُمكِّن العقيدة في نفوسهم بأنَّ الخضوع التام هو للمالك الحقيقي، وهو الله سبحانه.

وقد تواترت الأحاديث في شرعية التسويد وإطلاقه على غير الله تعالى. عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال “لا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: عَبْدِي وَأَمَتِي، وَلا يَقُولَنَّ الْمَمْلُوكُ: رَبِّي وَرَبَّتِي، وَلْيَقُلْ: فَتَايَ وَفَتَاتِي، وَسَيِّدِي وَسَيِّدَتِي، كُلُّكُمْ مَمْلُوكُونَ، وَالرَّبُّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ” [رواه البخاري وأحمد وأبو داود والنسائي وغيرهم] فإذا كان هذا بالنسبة للعبد مع سيده فكيف لا يكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم!

وعن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم “إن الله يقول للعبد يوم القيامة ألم أُكرِمْكَ وأُسَوِّدْكَ” [رواه مسلم] أي أجعلُك سيداً. فهذا الامتنانُ من الله تعالى بنعمة السيادة يدلنا على أنها شرفٌ للإنسان، فكيف لا يكون أفضل الخلق جديراً بهذا الشرف.

وعن أبي سعيد رضي الله عنه قال: “قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا سيدُ ولدِ آدَم يومَ القيامة ولا فخر، وبيدي لواءُ الحمد ولا فخر، وما من نبيٍ يومئذٍ، آدمُ فمن سواهُ إلا تحت لوائي، وأنا أولُ من تنشقُ عنه الأرض ولا فخر، وأنا أولُ شافعٍ وأولُ مشفَّع ولا فخر” [رواه الترمذي وأحمد وابن ماجة] وعن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم “أنا سيدُ الناس يوم القيامة” [رواه الشيخان].

فهذه الأحاديث الصحيحة التي بلغت حد التواتر تدل دلالة لا لبس فيها على أن لفظ السيادة واجب على كل مسلمٍ محبٍ لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وكذلكَ لفظُ “مولى” للحديث الصحيح، قال صلى الله عليه وسلم: “من كنت مولاه فعليٌ مولاه” [رواه أحمد والترمذي وابن ماجة].

وليس هذا فحسب، بل إن الصحابة الأجلاء وآل بيت رسول الله الكرامَ الأطهار هم سادتنا، فقد روى مسروق عن عائشة رضي الله عنها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم للسيدة فاطمة رضي الله عنها “يا فاطمة ألا ترضين أن تكوني سَيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه الأمة” [رواه البخاري]. روى الحسن بن علي رضي الله عنهما أنه سمع أبا بكرة قال “بَيْنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ، جَاءَ الْحَسَنُ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ” [رواه البخاري].

وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “الحسنُ والحسين سيدا شباب أهل الجنة” [رواه الترمذي] . وروى سيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين ما خلا النبيين والمرسلين، لا تخبرهما يا علي” [رواه الترمذي وأحمد وابن ماجة].