اعلموا أن النفوس ثلاثة : الأولى: نفس أمارة بالسوء. والثانية: نفس لوَّامة. والثالثة: نفس مطمئنة. ولا شك أن شرّ هذه النفوس: هي الأمارة بالسوء، الداعية إلى الضلال، المحرضة صاحبها على الانحراف.
والإنسان الغافل الضال حينما تدركه رحمة خالقه؛ ينازع نفسه بعد طول شقاء وعناء، ويقاومها لينقلها من منبت السوء إلى منبت الخير والرفعة، ويوقظ فيها صوت الضمير؛ فإذا هي نفس لوَّامة تتفكر وتتدبر وتعتبر فتنزجر.
ثم تبلغ القمة والعلو؛ فإذا هي نفس مطمئنة لا تزلزلها الأهوال ولا الشدائد الثقال. فليت كل واحد منا يسائل ذاته: أين نفسي بين تلك النفوس الثلاث، وفي أي طريق تسير؟ أفي المقدم أم المؤخر؟ أفي العلو أم في السهل؟ هل ساءلت نفسك أيها المرء فحاسبتها قبل أن تحاسب؟ هل تفكرت تفكر محقق؟ هل نظرت إلى خطايا لو عوقبت ببعضها لهلكت سريعاً، ولو كُشف للناس بعضها لاستحييت من قبحها وشناعتها؟ أُفٍ ثم أُفٍ لنفس مريضةٍ إن نوظرت شمخت، وأن نوفحت تعجرفت، وإن لاحت الدنيا طارت إليها طيران الرخم، وسقطت عليها سقوط الغراب على الجيف.