آية من آيات الصدق بينها لنا رب العزة لنكون على بينة من أمرنا وهي قوله تعالى (ولو أرادوا الخروج لأعداد له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين) هذه الآية وإن كانت نزلت في الجهاد إلا أن القاعدة الشرعية التي تقول إن العبرة في عموم اللفظ لا بخصوص السبب تجعلنا نفهم معنى آخر من معاني صدق العبد مع مولاه، نعم السرائر لله ولم نؤمر بالحكم على الناس من خلال التخمين عما في قلوبهم ، إلا أن هنالك دلائل قد تومئ عما في القلوب ومنها هذا المعنى الذي أشير إليه اليوم ونحن نستعد لاستقبال شهر رمضان المبارك.
لقد كان من هديه صلى الله عليه وسلم إذا بدأ شهر رجب أن يقول (اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان). وكأنه بهذا يحث أمته على إعداد العدة لاستقبال رمضان، وهذه سنة تعلم منها المسلمون التبكير بالاستعداد حتى قال أحد الصحابة كنا نستقبل رمضان بستة أشهر ونودعه بستة أشهر، فالعام عندهم كان كله رمضان.
فيا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر، واحذر أن تكون ممن ذكرهم الله في الآية أعلاه الذين كره الله انبعاثهم فثبطهم ، ودلل على حبك لله وإقبالك عليه من خلال الاستعداد للشهر الفضيل منذ الآن. وأنت تعلم أن النفس أمارة بالسوء ويجئ رمضان من كل عام لتهذيب هذه النفس وتطويعها لتعود إلى نفحات الإيمان من جديد، وهو شهر كله رحمة ، إلا أن المشكلة التي يقع فيها كثير من الناس أنهم يتركون عملية التهذيب لتبدأ مع بداية الشهر الفضيل وهذا من قلة التوفيق، إذ إنهم يضيعون معظم الشهر في مقاومة نزواتهم وشهواتهم ، ويفوتون على أنفسهم نفحات كان بالإمكان إدراكها لو أنهم استعدوا للشهر سابقا، فتراهم في بداية الشهر وقد فجعهم الجوع والعطش وانطلقوا إلى الأسواق يحصدون ما فيها وكأن القيامة ستقوم، ولا يبدأ تأثير الصيام على أرواحهم إلا في أواخر الشهر الفضيل، وبذلك يضيعون على أنفسهم نفحات الشهر الفضيل، ولو أنهم استنوا بسنة رسول الله واستعدوا لرمضان في رجب وشعبان لزكت نفوسهم ولدخلوا في رمضان وقد تفرغوا لتلقي نفحات الله في أيام دهره.
الشيخ حسني حسن الشريف