الجمعة , نوفمبر 22 2024

استقبال رمضان

أتي رمضان وهو فرض من فرائض الاسلام في موعد من السنة معلوم، ليتعالى النداء وتستثار الهمم (يا باغي الخير أقبل) (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على اللذين من قبلكم لعلكم تتقون). شهر الله المعظم، الموسم السنوي للتجديد والتدريب والتهذيب، يأتي سيد الشهور بعد أحد عشر شهرا، وكثير من الناس قد استأسدت شهواتهم ليوقظ روافد الخير في القلب ، ففي الصوم صفاء القلب وزكاء النفس ونقاء البصيرة وميدان البر. غاية الصيام معالجة النفس لتكتسب ارادة صارمة وعزيمة جادة فلا تتهافت على الشهوات، تملك الصبر والتصبر في مواجهة طيش الغرائز وبواعث الهوى.
وإن من كبح جماح شهوة الطعام والشراب لا بد ان يفطن الى الحكمة العليا من تطهير النفس وتزكيتها في الاقوال والافعال والعزائم (اذا كان يوم صوم احدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد او قاتله فليقل إني صائم) (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في ان يدع طعامه وشرابه).
فأين هؤلاء من أقوام لا يرون في الصوم إلا حرمانا لشهواتهم، فوجوههم لاستقبال شهرهم عابسة، استهلاك الاغذية عندهم يتضاعف في رمضان، فأي مسكنة يعيش فيها هؤلاء؟ ولقد قال بعض الفضلاء (لو صام المسلمون اليوم صوما صادقا خالصا لتخلصوا من مصائب انفسهم وشرور اعمالهم، ولو صدقوا لما استطاع عدو ان يحيك لهم المؤامرات والدسائس والفتن).
أي مفهوم معكوس لدى بعض المسلمين حين يسهرون في رمضان لتسلية فارغة ولغو طويل، اين الصيام من اناس قد انطوت قلوبهم على الحقد والحسد وتفريق كلمة المسلمين واضعاف سلطانهم؟
هل صام من استغل مصالح المسلمين واستطال عليهم بلسانه ويده؟ هؤلاء المهازيل الذين تنهزم عزائمهم أمام الجوع كيف يعيشون لدينهم وامتهم، إن من انهزم بينه وبين نفسه سوف يكون أشد انهزاما امام اعداء الدين والامة.
ومن أعلن استسلامه في معركة شهوانية تدوم ساعات فقد حكم على نفسه بفقدان خلق الرجولة الصابرة، ومن عز عليه ان يعيش في جو الرجال فقد اخرج نفسه من قوافل الشهداء ومواقف الابطال.
ألا فاتقوا الله رحمكم الله واتخذوا من شهركم موقف محاسبة فهو شهر متتابع الايام متكرر كل عام وما ذلك إلا ليتكرر الدرس وينمو الغرس.