مسألة الجمع بين الصلاتين بسبب المطر أو الثلج أو البرد والريح. وهي من مسائل الخلاف التي شغلت الناس وفرقت القلوب وأحدثت الفوضى في المساجد. والمسؤولة الأولى في ذلك تقع على أئمة المساجد. فهذا يقول: أجمع، وهذا يقول: لا يُجمع، وهذا أمر لا ينبغي! وخاصة بالمسجد صيانة لم مما يخل بآداب الإسلام. الإمام هو سيد الموقف، وهو يتحمل فعله بينه وبين الله “الإمام ضامن، فإن أحسن فله ولهم، وإن أساء فعليه”. إن المساجد لها حرمة ومكانة لا يجوز اللغط فيها “إن هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من كلام الناس”. فمن رضي بالجمع فليصلِّ، ومن لم يرضى ولم تطمئن نفسه به فله أن يصلي معهم وينوها نفلا تطوعا أو أن ينصرف صامتا هادئا، لأن المسألة لا تستلزم هذا الاختلاف، الخلاف رحمة إن بقي في إطار الاجتهاد والنص الشرعي، سيما وأن البلاد تختلف في أجوائها ومناخها من بلد لآخر.
والأصل في الجمع هو قول الله عز وجل” أَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلّلَيلِ وَقُرْآنَ ٱلْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ ٱلْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً”، هذا هو أصل المواقيت، وقت في الظهر، ووقت عند المغرب، ووقت عند الفجر. ثم جاءت السنة النبوية الشريفة تفصل المواقيت وتجعلها في الحضر خمسة وفي السفر والمطر ثلاثة: فجر بلا جمع، وجمع للظهر والعصر، وجمع للمغرب والعشاء عند العذر. والمقصود في قول الله عز وجل ” إِنَّ ٱلصَّلَٰوةَ كَانَتْ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ كِتَٰباً مَّوْقُوتاً” هو هذه الأوقات الثلاثة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جمع بالمدينة بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء كما عند مسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، كما ثبت أنه صلى الله عليه وسلم جمع من غير علة خروجا من الخلاف، ولهذا قال العلماء: يُجمع في حال المطر، والوحل، والثلج، والزلق، والطين، إن شق على الناس المشي عليه، ومثله الريح الشديد الباردة، ولا بد من اجتماع الأمرين؛ ريح شديد وباردة. هذه الأمور يجوز الجمع فيها لوجود العلة وهي المشقة. ثم قال العلماء في التفصيل: إنه لا يشترط نية الجمع عند إقام الصلاة الأولى، فله أن ينوي الجمع ولو بعد سلامه من الأولى ولو عند إحرامه في الثانية ما دام السبب موجودا، ولا يشترط إخبار المأمومين بأنه سيجمع بين الصلاتين. ويجوز الجمع بين صلاة الجمعة وصلاة العصر قياسا على حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بالمدينة بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء وبوجود العلة وهي المشقة، وهذا قول الإمام النووي رحمه الله. أما صلاة السنن الرواتب بعد الصلوات حال الجمع فإنك تصلي سنة المغرب بعد صلاة العشاء، ثم تصلي سنة صلاة العشاء، ومثله سنة صلاة الظهر مع العصر. وليس هناك إشكال لو صليت سنة الظهر البعدية بعد صلاة العصر فليس هذا بوقت نهي ولا يدخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم “لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس” لأن الوقت للعصر لم يدخل، فالوقت الموجود هو وقت صلاة الظهر ووقت النهي يبدأ في وقت صلاة العصر كما جاء في الحديث. أما صلاة الوتر فيستحب تأخيرها إلى ما بعد وقت صلاة العشاء، وإن صلاها بعد الجمع مباشرة فلا بأس عليه. وقد يسأل سائل: هل يجوز الجمع لمن لم يتأذى بالمطر؟ كأن يكون المسجد في باب داره، أو يمشي إليه في سقف؟ والجواب أن الرخصة عامة إذا جمعوا، فهي للقريب والبعيد، فلا يصح أن ينفرد بعضهم لما في ذلك من تفريق الجماعة، والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع وبيته بالمسجد حباً بالرخصة لأن الله يحبها.