الجمعة , نوفمبر 22 2024

لغة الحب

إن أحد أسباب التراجع الإيماني في قلوب الناس هو أن الدافع في العلاقة مع الله ومع رسوله ﷺ لا ينطلق من دافع الحب، والأصل في العلاقة أنها قائمة على “يحبهم ويحبونه”، فالحب هو محرك الاتباع، وليس العكس. ومن يوم أن اختلفت هذه المفاهيم تاهت البوصلة لدى المسلمين.

وكذلك علاقة الناس فيما بينهم، أصبحت مبنية على الكراهية، على أقل الأسباب يصدر من المسلم كم هائل من الكراهية والشتائم… والمؤمن الذي قلبه معلق بحب الله ورسوله لا يعرف هذه الكراهية.

وانظروا إلى العلاقة، شرور العباد ومعاصيهم إلى الله صاعدة، وخيره إليهم نازل، بَرُّهم وفاجرهم، المسلم والكافر… هي علاقة حب الخالق لعباده، أما الحساب في الآخرة فأمر آخر…

وكذلك علاقة رسول الله ﷺ بأمته، علاقة قائمة على المحبة، فلا يدخل الجنة حتى يقول: أمتي أمتي!

وانظروا إلى مثال عبد الله بن أبي بن سلول، رأس النفاق في المدينة، المتسبب في عودة عدد كبير من جيش المسلمين وهم في طريقهم متوجهون إلى غزوة أحد، وصاحب حديث الإفك والطعن في شرف السيدة عائشة، … يقول: ما حالنا وحال جلابيب قريش إلا كما قيل “سمّن كلبك يأكلك”، ويبلغ الخبر إلى رسول الله ﷺ، وانظروا كيف تغلب المحبة والكلمة الطيبة والقول السديد البعيد عن الكراهية… وأراد سيدنا عمر بن الخطاب قطع رأس هذا المنافق، ويأبى رسول الله ﷺ، فلا كراهية لشخص إنما هي للفعل “ولكن كره الله انبعاثهم”، أن تُحب أو لا تُحب، فلا كراهية. ولم يكن موقف رسوله الله ﷺ ميلا نحو المنافق، بل ميلا نحو ابنه الصحابي الجليل عبد الله بن عبد الله، ويستأذن عبد الله الابن أن يضرب عنق أبيه! ويقول رسول الله ﷺ: نصبر عليه ما دام بيننا! أنصبر نحن اليوم على أقل من هذا الفعل؟ هل نصبر على بعضنا؟! يمرض ابن سلول المنافق ثم يموت، فيرق قلب عبد الله الابن على أبيه، لا لأنه منافق، بل لأنه مات على النفاق، فيأتي لرسول الله ﷺ، وانظروا هنا كم نحن بعيدون جدا في واقعنا بعدا شديدا جدا، يقول: أتأذن لي يا رسول الله بقميصك أن أكفنه به؟ لو وجد قميصه ﷺ بيننا لبعت نفسي وأولادي في سبيل أن ألمسه. فيعطيه القميص ليكفنه به، ثم يذهب به إلى الدفن، فيسأل عبد الله رسول الله ﷺ أن يصلي على أبيه، فيصلي عليه، إكراما لعبد الله الابن…

أين نحن من هذا، أشداء على بعضنا رحماء مع عدونا!

اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان. “لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألّفت بين قلوبهم ولكن الله ألّف بينهم”.