في ذكرى مولد سيد الكائنات لا يعلم قدر رسول الله ﷺ إلا من خلقه، فهي محاولات على استحياء، إضاءات عن بعض ما فيه.
وقم على ساق جد في محبة من لولاه ما أنزل التنزيل بالحكم
كلا ولا سطع الإيجاد من أحد كلا ولا أرسلت رسل إلى أمم
هذا شيء من حقيقته، ولن تجده إلا في وردنا.
قالوا تمدح فمدحي في جلالته عين القصور بخير العرب والعجم
ماذا امتداحي بمن لولاه ما خلقت عوالم بل ولا قور مع الأكم
ولا سماء ولا أرض ولا ملك ولا رسول وكان الكل في عدم
لا حقيقة قبله، كنت نبيا وآدم منجدل في طينته بين الطين والروح.
من الجمال الإلهي، انظروا من أين تفجر هذا الحب، منذ ذاك الزمان بملايينه حتى هذا الزمان بمئات ملايينه، حتى يرث الله الأرض ومن عليها، ماذا الذي يجمعها على هذا الحب، ونحن خمسة في عائلة واحدة نتقاتل؟! في عائلة واحدة نتقاتل، في بلدة صغيرة نتقاتل! ماذا الذي يجمع هذه الملايين على هذا الحب؟
من الجمال الإلهي كان مظهره ومنه بدر الوجود المطلق الفخم
فالعرش (فوق) والفرش (تحت) والأفلاك أجمعها من نور طلعته هلت بذي العظم
والأنبيا وجميع الرسل قاطبة كل لديه مع الأملاك كالخدم
هذا الكلام ليس من عندنا، وليس من عند سيدنا عبد الرحمن الشريف، ولا من نهج البردة، …
والكتب أضحت بهذا الشأن ناطقة فدع مقالة غمر ظالم أثم
والله ما كرهه إلا ظالم، وما كره واحدا من أهل بيته إلا ظالم، لماذا؟
فهو السفير لنا في دفع نازلة وهو العياذ لنا في كل مزدحم
وما أكثر الزحام في هذه الدنيا،
فامدح كما شئت فهو الفذ مرتبة
لا يقولن أحد “قد بالغت”، بل هي ناقصة، لأنه ما من أحد أدرك حقيقته!
فامدح كما شئت فهو الفذ مرتبة وليس فوقه إلا الله فافتهم
أترك ما لله من صفات وأسماء وقل فيه ما شئت صلى الله عليه وسلم.
ينكرون علينا أن نجلس ونأنس بذكر مناقبه ﷺ وفي الصلاة عليه والاحتفال به، وقد أمرنا الله أن نحتفل، نعم، وقلنا قبل قليل أن هذا المدح سنة، وأقول إن هذا المدح من الواجب، وإن هذا الاحتفال واجب، شاء من شاء وأبى من أبى! هكذا نفهم، بل وأقل الواجب، وهو بأمر الله، فالله عز وجل يقول “وذكرهم بأيام الله”، أليست صيغة أمر؟ ما هي أيام الله؟ انتصارات المسلمين هي من أيام الله، يوم بدر، يوم أحد، أيام الانتصارات، فتح وتحرير بيت المقدس، عين جالوت، القادسية، أليست هذه من أيام الله؟ يوم الحج الأكبر، … لماذا نحتفل بهذه الأيام وهي فرع لأصل. لولا الميلاد ويوم الميلاد كانت هذه الأيام؟ ألم يكن يوم بدر فرعا من فروع يوم الميلاد؟ لولا الميلاد وهذا النور لكان هذه الأيام من أيام الله، فهو إذن اليوم الأكبر، والأصل. فنحن نتذاكر بيوم ميلاد رسول الله ﷺ فهو واجب.
الأنصار رضوان الله عليهم، عندما احتفلوا في يوم من أيام الله، يوم قدومه إلى المدينة، ألم يحتفلوا؟ احتفلوا وهو ﷺ يستمع. وإذا كان يستمع لاحتفال الأنصار في يوم قدومه أفلا نحتفل بيوم ميلاده ﷺ ؟!
نحن في الزاوية نحتفل بميلاده في كل ليلة في قراءة الأوراد. ما هي الأوراد؟ الأوراد تعطيك أطراف خيوط حقيقته ﷺ. ولن تجد هذه العلوم إلا في الأوراد. وما قرأنا هو جزء يشير إلى معنى من معاني حقيقته ﷺ.
كان هو أيضا يحتفل بميلاده عندما يصوم يوم الإثنين، ويقول “يوم ولدت فيه”. فنحتفل ونحن نشعر بالقصور، بل عين القصور بخير العرب والعجم.
في شهر ربيع الذي نحن فيه، وهو ربيع الأنور، وسمي بالأنور لأنه ولد فيه ﷺ. وكل أيامه عيد. لكنه أيضا توفي في هذا الشهر، فلماذا نحتفل بميلاده ولا نذكر وفاته؟ لسبب بسيط، لأنه ﷺ حي في قلوبنا. وهذا هو سبب ما رفعناه من شعار في هذا العام “رسول الله ﷺ حي في قلوبنا”. نحن لا نشعر أنه ميت، وه ويحيى في قبره حياة برزخية خاصة به، لا نعلم كنهها، لكنها تختلف عن حياة كل الناس، أدلة أكثر من أن تحصى…. يرد السلام على من يسلم عليه، ويرد على من صلى عليه، وقال عن إخوته من الأنبياء “الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون”، وقال: “مررت ليلة أسري بي بأخي موسى في قبره عند الكثيب الأحمر قائما يصلي في قبره”، وإذا كان الشهداء أحياء بشهادة القرآن فما بالكم برسول الله ﷺ؟ ما بالك بهذه الحقيقة النورانية؟ هو فعلا حي، ليست الحياة الجسدية التي نعرفها، لكنها خاصة به، تدل عليها الآيات والأحاديث النبوية، ويدل عليها واقعنا. هو حي برسالته، هل ماتت رسالة الإسلام؟ يمرض المسلون أحيانا لكنهم يعودون للعافية. هذه الرسالة قائمة والقرآن موجود ومحفوظ، وما زال هو الدستور، ومال زال هو الدليل، وأقوى دستور على وجه البسيطة، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، قائم رغم أنف الحاقدين والمنكرين. ورسول الله ﷺ حي بسنته، كل من أراد الالتزام فعليه بالسؤال عن سنة رسول الله ﷺ، هذا الذي يجمع مليار وستمائة مليون مسلم على كلمة التوحيد “لا إله إلا الله محمد رسول الله” حي أم ميت؟ هذا الذي يذكر اسمه مع اسم الله على المآذن في كل أصقاع الدنيا خمس مرات في اليوم، هذا حي أم ميت؟ حياة تحير الآخرين، وحق له مأن يحتاروا.
يتآمرون علينا، ويتسلطون ويكيدون، ويشوهوا إسلامنا، ويرسلون إلينا من يشوهه، ويحرضوننا على بعضنا لقتل بعضنا، … كل ذلك خوف من هذه الحياة المحمدية في قلوب الأمة المحمدية. خوف أن يكون هذا الحب الموجود في القلوب، وهذه الحقيقة المحمدية المغروسة في أفئدة المسلمين أن تنطلق وتتحد، لكنها حقيقة موجودة، لا نختلف عليها، نختلف على الفروع لكننا لا نختلف على حقيقة ومكانة رسول الله ﷺ. لذلك هو حي في قلوب الأمة، حي من خلال العلماء ورثة الأنبياء، وستبقى منزلة العلماء إلى قيام الساعة عن الناس مقدرة من تقديرهم لرسول الله ﷺ.
أي مسلم يختلف مع أخيه المسلم، إن أردت تمييز المخطئ من المصيب فإنك تعرضه على كتاب الله، وعلى سنة رسول الله من فعله وخلقه. هذا هو مقياس التقييم عند الناس، إذن هو حي.
حي بآل بيته، حي بسفينة النجاة، التي أقرها لآل بيته حتى قيام الساعة، من ركبها نجى، ومن تخلف عنها غرق. ووالله ما غرقت الأمة إلا لما ابتعدت عن الرسالة وركبت في السفن الأخرى. لكن المبشرات قادمة.
انظروا ما حصل عند مولده ﷺ. كان الظلم على ما تعرفون في الجاهلية، كل الصفات الذميمة التي تخطر بالبال كانت موجودة، العبودية، والطبقية، والسبي، والكذب، والزنا، والخمر،… وأعظمها الشرك بالله.
يوم الميلاد أصبحت قريش عند الكعبة فوجدت الأصنام منكسة، والشياطين في السماء وقد أحرقت بالشهب، انطفأت نار فارس، هذه حقائق وليست مجرد كلاما للمدح، إيوان كسرى تهدم، ونزل ﷺ ساجدا، هذه كلها إشارات ومعان لما سيكون، عادت نار فارس بعدها وأوقدت، والإيوان تم ترميمه، ولكنها إشارات وإرهاصات حدثت في لحظة الولادة، تومئ إلى ما سيحصل من هذا المولود، وكلها إشارات تحققت عندما انتشرت الدعوة.
واليوم نريد ميلادا جديدا بهذا المعنى، يعيد الكرّة، ولا زلنا نتحدث عن حياته ﷺ في قلوبنا. نعمل مولدا لسنته وأخلاقه وآدابه وقيمه ورحمته ﷺ. نحيي هذه المبادئ الجديدة القديمة، وننتج أجيالا تحمل هذه المعاني، وتكون أثرا من آثار رسول الله ﷺ خصوصا في الأخلاق، فلن تعود هذه الأمة إلى أمجادها إلا بأخلاقه ﷺ
كان من ذريته سيدنا علي زين العابدين بن الحسين. والأمة إذا أرادت أن تضل وتنحرف فإنها تكره آل البيت. وعندما يريد الله بها خيرا فإنه يحببها بآل البيت، فحبهم من حب النبي ﷺ “حب نبيكم وحب آل بيته”. سمي علي بن الحسين بزين العابدين لأنه كان يصلي في اليوم ألف ركعة، وكان صاحب هيبة وسكينة، فخرج يوما للصلاة في الكعبة ومعه أصحابه، وعليه من السكينة ما الله بها عليم، فصلى ما شاء الله له أن يصلي في الكعبة، ثم خرج هو وأصحابه، وإذا برجل يلقاه فقال له: أنت الذي يقال عنك زين العابدين؟ قال: نعم، قال: بل أنت شين العابدين، أمة تبحث عن الضياع! فهمّ أصحابه أن يوقفوا هذا الرجل، فقال لهم: دعوه، (وهذه اللغة ما انقطعت يوما، وما زالت موجودة إلى يومنا هذا، وهذا شأن آل البيت، عندما تقبل الأمة على آل البيت ينظر الله إليها، وعندما تدبر تصاب بما هي مصابة به اليوم. وأقولها وأجري على الله: لا مخرج ولا حل لهذه الأمة إلا بالعودة آل البيت، انظروا إلى أخلاقهم) فلما انتهى الرجل قال له الإمام “يا ابن اخي، أما وكل الذي ذكرته فيّ، وما خفي عنك أعظم، ألك حاجة نقضيها لك إزاء نصيحتك، (بم انتشر ديننا) فبكى الرجل وقال: أشهد أنك حفيد رسول الله، لقد أغراني القوم بشيء من المال، قالوا لي لو أنت جعلت علي بن الحسين يجهل عليك أعطيناك ألف دينار، فتبسم الإمام وقال: أهذه، لو أخبرتنا لأعطيناك دون أن نحوجك أن تغضبنا فنجهل عليك. هذا هو الذي نريد أن نحييه، لن نستطيع أن نحيي مثله، لكن شيء منه!
عندما صنع رسول الله ﷺ هذه النماذج بقي حيا في قلوبها، غير التاريخ بهؤلاء، وهذا ابن حفيده رضي الله عنه وأرضاه. لا حل لأزماتنا ومصائبنا إلا بالعودة لرسول الله ﷺ. كيف نعود؟ بحبه ﷺ، هو الذي يفجر كل الطاقات التي نحتاجها. بالاتباع نعم، ولكن لا اتباع من غير حب، ما الدافع للاتباع؟ الحب.
واحتفالنا هذا هو تعبير عن حبنا له ﷺ، وما معنى الاحتفال؟ إنه الاهتمام، اهتمام بصاحب الذكرى وبما يمثله ﷺ من قيم ومعان نحن بمسيس الحاجة إليها.
هناك مبشرات، فقبل سنين كان ممنوعا علينا أن نحتفل، وكانوا يكفروننا عند الاحتفال بمولده ﷺ، حتى بلغ بأحد كبار علمائهم أن قال: إن الذبيحة التي تذبح في مولد الرسول هي عند الله أحرم من لحم الخنزير. قالوا هذا وأكثر! اختلفت الصورة اليوم قليلا، لم يكن أحد يحتفل غيرنا، لم يكن أحد معني بقضية الحب غيرنا، وبعنجهية يقولون لك: هم رجال ونحن رجال! وهو ميت في قبره، وأبلغ من ذلك مما لا أحب أعكر به صفوكم بما قالوا! بدأت الصورة تختلف قليلا وصرنا نشهد الاحتفال بمولده ﷺ، وصار البعض من خلال أفعاله يقول لنا: أنتم كنتم على حق، ونحن كنا على باطل. في هذه السنة، ناطحة السحاب فوق الكعبة في أول شهر ربيع أضيء باللون الأخضر في ضوء شعاعي يرتفع إلى عنان السماء احتفاء بميلاد الرسول ﷺ، هل تخيلتم ما الذي يجري؟! وهؤلاء هم الأكثر عتوا، وما عدنا نسمع منهم كلام التكفير، وإساءات بحق الرسول ﷺ. كانوا إذا أرادوا إزعاجنا يقللوا من قدر النبي ﷺ، انظروا إلى الجهل (ونحن فعلا لا يوجد شيء أسوأ من أن تسيء إلى رسول الله ﷺ أمامنا أو تتكلم كلاما يدل على أنك لا تفهم حقيقته!) كانوا يتعمدون إسماعنا كلاما عنه.
واليوم وبعد موجة الإساءة إلى رسول الله ﷺ أرى أن الأمور قد تغيرت، وبدأت فعلا حقيقة النبي ﷺ موجودة في قلوب كثير من المسلمين، وما عدنا نرى من يسيء إلا من كبار العتاة من مرتبة أبي جهل وأبي لهب، أي الكبار الكبار من كهنة المعبد هم الذين ما زالوا مصرين! لكن ما دونهم فقد بدأت الموجة تميل نحو رسول الله ﷺ. كنا سابقا إذا تبادل أحدهم التهنئة بالمولد افتضح أمره، أما اليوم فترى التهاني على صفحات التواصل بدأت مبكرا، وكانت هذه الإشارة من مكة تصدر للمرة الأولى، وأصبحت الشعارات تصدر، كله بعد الإساءة للنبي ﷺ. وكان هناك من العلماء القدامى يقولون: إذا وصل الأعداء إلى محطة الإساءة للنبي ﷺ فاعلموا أن الفرج قريب، لماذا قريب؟ لأن أمته غارت عليه ﷺ، وبغيرتها عليه يحيى في قلوبها، وعندما يحيى في قلوبها تحيى المعاني التي يمثلها في قلوبها. وهذا يؤشر إلى بشائر قريبة بالرغم من أن الهجمة كما تعلمون هي ضخمة وغير مسبوقة، وكلما رأوا أننا نقترب من رسول الله ﷺ حبا كلما ازدادوا كيدا.
خرجت الأمور عن السياق الطبيعي للأحداث، ففي كل يوم حدث وخبر، أحداث حصلت لم يكن بخاطر بال أحد أن تحصل قد حصلت. تكالب يشتد وعودة لرسول الله ﷺ في قلوبنا.
يعود إلى قلوبنا بالحب، “لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وماله وولده والناس أجمعين”. هذا الرسول هو إنسان غير عادي، ولست أغالي، ولست أنا من يقول هذا لأنه جدي مثلا، هذا قاله رب العالمين، عندما يقسم الله بالشمس والشجر والنجوم والتين والزيتون … لم يقسم ببشر إلا برسول الله! ونادى كل نبي باسمه “يا موسى، يا عيسى، …” وقال له “يأيها النبي، ويأيها الرسول”. هذا من رب العزة وليس من الأمم المتحدة. يقول له “لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون”، هل تعلمون ما معنى لعمرك؟ يعني “وحياتك” لو أن إنسانا قالها لك لذبت خجلا وللبّيت له حاجته، فكيف برب العالمين يقولها له “لعمرك”!
أي نوع من الحب مطلوب منا إذا كان رب العزة يقول له “لعمرك”؟ أقول هذا لتعلموا كم نحن مقصرون، ومع ذلك يتهموننا بالمغالاة فيما نحن في عين القصور بخير العرب والعجم. انظروا إلى حب ثوبان رضي الله عنه، تذكرون ثوبان، جاء إلى رسول الله يبكي، ما بك؟ قال: حبك يا رسول الله، أكون في أهلي فأذكر الجنة، وفي المقام أنت مع النبيين، وأنا في آخر الجنة، فكيف أراك؟ أكون في بيتي فأهيم حبا، وآتي إليك فيسكن قلبي…. انظروا إلى المعنى: شغله حب الرسول ﷺ ومشاهدته والأنس به عما في الجنة، التي فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. أما نحن فتفكيرنا في الجنة لا يزيد على الحور العين. نزلت في حقه آيات تتلى لتسكين قلبه (ومن يطع الله ورسوله فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين …) المعية “أنت معه”.
شخص مثل زين العابدين، لم يصدر عنه الفعل الذي ذكرنا إلا من حبه لرسول الله ﷺ. ولا يمكن أن تستقيم أخلاقنا إلا إذا دخلت هذه المحبة إلى قلوبنا. هذا الحب هو الذي يجمعنا به، اجمع اللهم بيننا وبينه في الدنيا قبل الآخرة، ليكون حياة أرواحنا وسمير أشباحنا (أن تعيش معه بالمعية)، كيف نصل إلى هذا الحب؟ بفهم هذه الحقيقة من خلال النظر في أورادنا، ولعلي أدلكم على بعض الخطوات التي توصل إلى الحب وإلى رؤيته في الدنيا قبل الآخرة، فلا يكفي أن نقول “اجمع اللهم بيننا وبينه في الدنيا قبل الآخرة”، لا بد من فعل شيء يجعلنا نحبه قدر المستطاع الحب الذي يكون مفتاحا لرؤيته في الرؤيا:
أولا: كثرة الصلاة والسلام عليه، وأقل الكثير ثلاثمائة مرة في اليوم، وبالصيغة التي تحب، مثلا “اللهم صل وسلم وبارك”، أو بالصيغة الأكثر مباشرة “الصلاة والسلام عليك يا سيدي يا رسول الله” وذلك من فهمنا لقول الله تعالى “إن الله وملائكته يصلون على النبي يأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما”، الله يصلي والملائكة تصلي والمطلوب منك أن تصلي فكيف تكون الصيغة “الصلاة والسلام عليك يا سيدي يا رسول الله” فهي أبلغ من “اللهم صل …”. وصلاتك وسلامك تبلغه ﷺ ويرد السلام، وبما أن الصلاة والسلام لا تنقطعان عليه لا في ليل ولا في نهار “من سلم علي رد الله إلي روحي فأسلم عليه” فلا بد أن هناك ألوفا من البشر يصلون ويسلمون عليه على مدار الثانية الواحدة.
ثانيا: التعظيم لسنته، كل سنته، لكي تحظى بالمعية، يكون سواده مع سوادك. وأقصد بالسنة كلّاً من الأمور التفصيلية البسيطة ومثالها التيامن، والأمور القيمية والأخلاقية، وشيمه، وتمثل شخصه ﷺ.
ثالثا: خدمة دينه وأمته ونصرتها، فالأمر يحتاج إلى أيضا “الخلق عيال الله أحبهم إلى الله أنفهم لعياله”، وإذا أردنا المثال الأبلغ فهو أن تكون الخدمة ليست لأمة الإجابة فقط بل لأمة الدعوة أيضا، بأن تكون أخلاقنا وقيمنا مشتركة مع المسلمين وغير المسلمين، فرسالتنا رسالة دعوة، فمن استجاب فهو منا ومرحبا به، ومن لا يستجيب فنتعامل معه نفس المعاملة حتى يستجيب. وانظروا إلى جواب النبي ﷺ عندما مرت أمامه جنازة يهودي فبكى، قالوا له: يا رسول الله، جنازة يهودي! قال: نفس أفلتت مني إلى النار.
نسعى لإفراحه وإسعاده ﷺ، كيف؟ عندما نتمثل أخلاقه وقيمه وسنته ومنهجه فإننا نسعده… عندما نتحد ونكون يدا واحدة ونفوت على العدو أن يندس ويفرق بيننا فإننا نسعده ﷺ… في زيارة لتركيا، وكانت تصادف ذكرى المولد أثناء الزيارة، فحضرنا جانبا من ترتيبات المدارس للمولد هناك، فدخلنا وإذا بمدرّسة المسرح التي تحضر الفقرات للبنات وتسهر تلك الليلة لإعداد البرنامج، وتعمل ليل نهار، فسألت المترجم أن اطلب من الشيخ أن يدعوا لها وقل له: إني أعمل هذا العمل لعلي أفرح رسول الله! مؤسف جدا أن يفهم العجم هذا المعنى أكثر منا، مؤسف جدا! نحن لا نبحث إلا عن الحور العين!
رابعا: التعلق بالرسول ﷺ: والخطوات الثلاثة الأولى كفيلة بالوصول إلى هذه الخطوة.
إذا طبقت هذه الخطوات الأربعة فأنت مؤهل لرؤيته في الدنيا قبل الآخرة، وإن شاء الله كلنا نراه، وأن نكون جميعا أهلا لرؤيته ومعيته دنيا وأخرى. هناك معية في الدنيا تجعلك تشعر أنك تعيش معه، وفي كثير من الأحيان يكون معك حقيقة، فلنكثر من الصلاة والسلام عليه، ونبقي على الشعار “هو حي في قلوبنا” ونحاول إحياء معاني سنته ورسالته في قلوبنا وفي قلوب أبنائنا. وطالما أننا احتفلنا مبكرا هذه السنة فهي فرصة لأن أذكركم جميعا بعمل مولد للنبي ﷺ في بيته ضمن طاقته، في إطار أولاده وبناته، وإن أحب في إطار إخوانه وأخواته وأولادهم وجيرانه. نكثر من هذه الاحتفالات ونزيد من وتيرتها ومع ذلك نبقى مقصرين، لكن لو بدأنا بهذا النشئ وبدأنا نغرس ونحضر لهم الهدايا بمناسبة ميلاد المصطفى ﷺ ومن أورادنا نختار بعض المعني ونوصلها لهم، لأنه إذا كنا نحن لا نبحث غلا عن الحور العين وجعلنا هذا الأمر شغلنا الشاغل فلنحاول أن نغرس في الجيل الجديد حب النبي ﷺ، أن نحبه الحب الصحيح، ونتناول له بعض المعاني من أورادنا، فورد الدرة الشريفة وورد تحفة الإخلاص وردان مليئان بمعان تشير إلى حقيقته ﷺ، ومع بعض القصص المبسطة للأطفال نغرسها فيهم من الآن، ومجتمعاتنا جاهزة بعد الإساءة للنبي ﷺ ظهرت ردة فعل عن الناس لإحياء النبي ﷺ في قلوبها، وهذا هو دورنا. كنا نحتفل ونتلقى السباب والتكفير ونبقى صابرين، آن الأوان أن نرد لهم المعروف كما فعل سيدنا زين العابدين، ” أما وكل الذي ذكرته فيّ، وما خفي عنك أعظم”، فلنحاول قدر المستطاع توسيع الدائرة، ونتكلم أو نجعل الأولاد أنفسهم يتكلمون، فنحفظهم كلا
منهم قصة مثل قصة سيدنا زين العابدين، وفي مؤسساتنا ومدارسنا نتكلم حول هذه القيم والمعاني ونركز عليها.
شهر ربيع فرصة، لكن لا نفوت الفرص في بقية الأشهر للحديث عن الفضائل والأخلاق والقيم والمعاني التي نستفيد فيها من رسول الله ﷺ.