الجمعة , نوفمبر 22 2024

بين المقت و العذر و الحب

قال أهل الإلحاد: إن الله بعد توقف الوحي لم يتدخل في هذا الكون وتركه يسير على النظام الذي وضعه، وأن هناك قوة خارقة وضعت النظام وانتهى الأمر. أبداً، ليس الأمر كذلك، نحن نقول في أورادنا: “وأنت الواحد في ذاتك وصفاتك وأسمائك وأفعالك، على جود ساحة كرمك محض التعويل”، وهي كلها وحدة واحدة، يتم من خلالها تسيير الأمور، وما من شيء في الكون ينظر إليه المؤمن بعين البصيرة إلا ويرى فيه إشارة، في كل حادث أو حركة أو مسألة تلمح إشارة.

تاه ابن آدم في هذه الحياة، قاده هواه، أنظر إلى الناس وإلى أفعالها وأقوالها وعليائها وكبرها، ابتعدت عن فطرة الله فتوحشت. ما من قضية تطلع عليها إلا وتجد الناس أول ما تنظرُ إليه هو جانب الشر والجدل والسلبية منها، ولا تنظرُ أبدا إلى الجانب الإيجابي فيها.

انظروا إلى منطق أهل الله الذي يوصلك إلى السكينة والسلم والأمن الداخلي، وإلى حالة الرضى، وصولا إلى النفس الكاملة التي لا تعبأ بشيء من هذه التفاصيل، يقول أهل الله: من نظر إلى الناس بعين الشريعة مقتهم، ومن نظر إليهم بعين الحقيقة عذرهم، ومن نظر إليهم بعين الله أحبهم. مَقْتُهم يكون عندما تصنف إنسانا فتجد إيجابيات وسلبيات بنسب متفاوتة، فإن وزنته بميزان الشرع كرهته، وبعد مجموعة من الإيجابيات التي تجدها عنده، وما أن يقع في سلبية واحدة تنسى كل إيجابياته وتعلق عندك السلبية الواحدة، فتضعها في الميزان فيرسب، ثم تكفره. الوزن بهذه الطريقة صعب جدا، وسيتعبك ويفسد قلبك! أما النظر بعين الحقيقة (حقيقة الأشياء) فيجعلك تعذر الناس، فما من أحد معصوم، كما أن موقفه قد تغيب عنك حكمته.

الشيخ البوطي على سبيل المثال: أعتبره أعلى قامة علمية في العالم الإسلامي، لأن اللغة التي يتحدث بها هي لغة أهل الله التي من لا يقدّرها ولا يعيشها فهو بعيد عن الصواب، فالشيخ البوطي رحمه الله في عمق لغة وحال أهل الله. اجتهد الشيخ فيما جرى واعتبر أن مسألة الدم لن تنتهي وستدمر البلاد، فاجتهد في باب فقه المآلات، ورأى أن الأمر فيه دخول لمنحدر لن تتوقف إذا دخلته، وهو ليس رجلا عسكريا يحرك جيوشا، فإذا فهمته ونظرت بعين الحقيقة عذرته.

وأسلم شيء هو أن تنظر إلى الناس بعين الله، عندها تحبهم جميعا.

متى سنخرج من نظرية محاسبة الخلق، ولعب دور الإله في تصنيفهم إلى الجنة والنار؟! متى سينظر أحدنا إلى نفسه وعوجه، وما منا إلا وعنده اعوجاج، نترك الخلق لله يحاسبهم هو، وما يدريني لعلي أقع في عرض ولي، وما يدريني لعله في لحظة ما شعر بأنه أخطأ أو ضل، وقبل وفاته اصطلح مع ربه فقبله. وهذا هو ما كان عند زيارة سيدنا يوشع والكلام الذي قلته في ابن تيمية، رجل عنده أخطاء مثلنا ومثل بقية الناس، أنظر في قوله فإن أعجبني أخذت به، وإلا فلا، وأسكت وأكف شري عن عرضه، والحكمة ضالة المؤمن أنا وجدها أخذها، “ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون”.

لم لا نكون رحمانيين بهذه الطريقة؟! نعذر الناس بدل مقتهم وكرههم، بل لم لا نحبهم؟!