الورد والوارد : يقول ابن عطاء الله السكندري رحمه الله في حكمه: من لا ورد له لا وارد له. وأضيف إليه بمعنى آخر معكوس: من لا وارد له لا ورد له.
صنفان من الناس، أحدهما يمثله سيدنا عمر بن الخطاب أمير المؤمنين، الذي كان إذا نام أو شغل عن ورده قضاه، وصنف آخر يمثله سيدنا أويس القرني، تركه أصحابه عند الإبل ليحرسها عندما دخلوا على المدينة.
ولا خلاف حول موضوع الورد أو الوظيفة، سمها ما شئت، وأدلتها كثيرة من الكتاب والسنة….
ما هو الوارد؟ هي الجذبة التي تجذبك إلى مكان ما وتؤدي في هذا المكان هذه الأوراد وتشعر بلذتها، مما يدفعك للحرص عليها. وكل من داوم على ورد لا بد وأن واردا قد ألزمه. اللهم جذبة من جذباتك تكشف حجاب الوهم عن عين اليقين. ولولا أنها جذبة لكان استمرارنا عليها مقتصرا في المناسبات، وعند التجلي، وعلى التراخي…. هذه ليست جذبة، ولكنها تقع ضمن تصنيف ابن عطاء الله “من لا ورد له لا وارد له”. أما الالتزام الدائم في السراء والضراء، بوجود الشيخ وبغيابه، فهذه جذبة. “وما زال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه” فإذا أحبه حصلت الجذبة، وإذا انجذب إليها لا يقوى على فراقها.
ولا يدفعنك الشيطان أو هوى النفس أنك لم تجد فيمن التزم الالتزام الدائم الطويل بهذه النوافل المقربات كرامة أو حالا مميزا، فهذا من تلبيس إبليس، لأن الاستقامة هي عين الكرامة، فمجرد أن تجد الإنسان قد انضبط عمرا في ورده فاشهد له بالصلاح.
وفي المقابل، لا يدفعنك الشيطان وهوى النفس أن تقع في عرض من لم يلتزم التزاما ظاهريا، فلعله التزم مع الرحمن وردا، ولعل حبلا ربطه بالرحمن سرا! وهذا أدعى للإخلاص، وهو أصعب. حتى وإن لم يظهر عليه شيء من سيم الصالحين.
كنت فيما مضى أعترض على بعض أهل التصوف ولا أرتاح لبعض تصرفاتهم، فجاء رجل صالح لزيارة والدي رحمه الله، وكلمته عنهم فأشار علي بأن لا أعترض، وقال: أنت لا ترى إلا ظاهرهم، ولا تعلم باطنهم، فإذا رأيت مخالفة صريحة للشرع فالمطلوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن استجاب فاعم أنه عامر، وإن لم يستجب فانقد فعله ولا تنقد شخصه. هذه أخلاق وآدب أهل الله. “من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب”.
كلكم تلاحظون لغة الخطاب المجنونة على شبكات التواصل، هؤلاء ألسنتهم أمام قلوبهم! بمعنى أن المستوى البيئي المنحط الذي تربى فيه ينطق نيابة عنه، أما المؤمن فلسانه خلف قلبه، بمعنى أنه يمرر الكلام على قلبه فينظر إن كان هذا الكلام يليق بمؤمن قرأ القرآن وبمن ينسب إلى رسول الله ﷺ، وهل ينم عن مجتمع سيرحمه وينصره الله؟ نحن في مصيبة!
هذه دعوة لأن تكونوا نماذج تقتدى، ورودا في حقول الأشواك، وهذا جهاد، فالإسلام الحقيقي يغتال ويبدل، لأنك تجد شيخا بلحية وثوب ويقف ويقول قال الله وقال الرسول وهو لعّان وطعّان وهو ألد الخصام، إذا خاصم فجر! لم نعد نملك ترف الحديث عن مرتبة الإحسان! وهذه النماذج منتشرة انتشارا واسعا.
أظهروا هوية الإسلام، كونوا من القلة الأمناء على الإسلام، كونوا أحد الصنفين الذين ذكرنا، ومثلوا لغة القرآن ولغة رسول الله ﷺ، ولغة الصحابة الكرام، لا يمكن أن تنطق بكلمة قبل أن تمر على قلبك، هذا هو جهادنا، الحرص على الإسلام الذي جاء به رسول الله ﷺ.