حديث رسول الله ﷺ “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت”.
كان الناس قديمًا يقولون عن الذي يكثر الكلام “لسانه بشعبتين”، وأقول اليوم فيما أرى من أحوال الناس أن ألسنتها اليوم بعشرين شعبة، وتحديدا انفلات الكلام وخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي.
صنَّفَ أهل السلوك من ساداتنا قديما أصنافًا ثلاثة من الناس، أو صفات ثلاثة، إن وجدت إحداها في الرجل عدوه جاهلا.
الصنف الأول: هو الذي يجيب عن كل ما يُسأل. يقول رب العزة “وما أوتيتم من العلم إلا قليلا”. وإذا كان السؤال في أمور الدنيا فتلك مصيبة، لأن هذا يعني أنه ليس لدينا تخصص في العلوم، حيث يجيب المسؤول عن كل ما سئل، فتجد الطبيب يفتي في الهندسة، والمهندس يفتي في الزراعة، يفهم في كل شيء فيدلي بدلوه في كل شيء.
والمصيبة الأكبر عندما يكون السؤال في أمور الدين. كان فيما سبق من يفهم في علم التفسير مثلا وتسأله في أمور الفقه لا يجيب، وهكذا… وحتى الفقيه إذا سئل في مسألة وكان مذهب السائل خلاف مذهب الفقيه يرشده إلى فقيه آخر يفقه مذهب السائل.
أما اليوم ففي أي مسألة في الدين تجد الأغرار والجهلاء والذين لا دراية لهم في الدين يفتون في كل شيء.
سيدنا أبو بكر الصديق يقول: أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إن أنا قلت في كتاب الله ما لا أعلم.
الإمام مالك، إمام دار الهجرة، يأتيه من المغرب من يحمل له مسألة كثيرة، وقد سار إليه مسيرة ستة أشهر، فيجيبه على العدد اليسير منها، وقال في الباقي “لا أعلم”، فقال له المسافر، يا إمام: ماذا أقول لمن أرسلني بهذه الأسئلة؟ قال له: قل لهم الإمام مالك يقول: لا أعلم، قال فمن يعلم إذاً؟ قال: الذي علمه الله. لم يخجل الإمام مالك من قول “لا أعلم”! قارنوا هذا بالذي يحصل اليوم!
هذا هو الجهل! ما هو الدافع؟ أولا الجهل، وثانيا الاستكبار، حتى لا يقال لا يعرف، ولا تخدش مكانته، وحقيقة الأمر أن الذي يعرف، إذا قلت لا أعرف يعرف أنك تعرف. فكلمة “لا أعلم” هي كلمة تخدش الجهلاء ولا تخدش العلماء. والاستكبار هو من الأخلاق النادرة التي تورد النار.
أما الصنف الثاني من الجهلاء هو الذي يحدِّث عن كل ما شاهد أو سمع، وكالة أنباء! ورسول الله ﷺ يقول: “كفى بالمرء إثمًا أن يحدث بكل ما سمع”، وهذا يقودك إلى ما وصفته الآية “هماز مشاء بنميم مناع للخير معتد أثيم”، ويوصلك إلى مخالفة صريح قول الله “يأيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا”. وهوى النفس والشهوة والرغبة هي الدوافع لهذا الصنف من الجهلاء.
أم الصنف الثالث فهو من يحدّث بكل ما علم. ليس فقط سمع معلومة كما في الصنف الثاني، ولكن عنده معلومة فيحدث بكل ما عنده، هذا أيضا جاهل! قد يذكر شيئا جيدًا لا يعد في ذكر العيوب أو المساوئ. معارفه هذه تنقسم إلى: معارف يحدث فيها عن نفسه، وقسم يتعلق بمعارف في علوم أخرى.
وفي حديثه عن نفسه، فهناك قسم يتحدث عن أفعال الخير التي يقوم بها، فإن كان دافعه، وهو أعلم بحاله والله مطلع على دافعه، رغبة في أن يعم الخير بتقليد الآخرين له فلا بأس. وهناك قسم آخر يحدّث عن نفسه ليحظى بمكانة اجتماعية أو يسترزق، وهذا القسم مرتب في تصنيف الجهلاء وربما النفاق والرياء….
يضاف إلى الأصناف أعلاه صنف جديد ظهر حديثا، وهو من لا يدع مناسبة أيا كانت إلا ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي! هناك كم هائل من المصائب تقع على رؤوس الناس نتيجة الحسد والكراهية والبغضاء التي تتولد بين الناس جراء نشر هذه المعلومات والصور… وكأننا باختصار نقول للناس: نسألكم بالله أن تحسدونا!، هلا تفقدتمونا بجرعة كراهية أو حقد أو حسد!…. كان الواحد فيما مضى إن وقع له حدث أو مناسبة مفرحة لا يطلع عليه إلا من يعلم أن قلوبهم رحيمة!
ومن أصناف الجهلاء من يحسن الكلام ولكنه لا يحسن اختيار المكان والزمان والناس المستمعة، فلا تخطب في جاهة فرح عن الطلاق، ولا تخطب في عزاء عن عذاب النار، ولا تحدث حديثي العهد بالإسلام عن علم الكلام والفلسفة،… حديث رسول الله ﷺ حدّثوا الناس على قدر عقولهم، أتحبون أن يكذب الله ورسوله”.