آية في كتاب الله تعالى أحسب أنه ما من إنسان آمن بالله جل جلاله وآمن برسوله صلى الله عليه وسلم وتلا هذه الآية إلا وفاض كيانه خجلا من الله تعالى، إنها آية يتحبب فيها الرب عز وجل إلى عباده (مَن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَٰعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وٱللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ).
إنك تعلم أنه تعالى هو الذي يرزقك، وهو الذي أعطاك من المال ما أعطاك، فالمال ماله، والملك ملكه. ولم أجد يا أحبتي في القرآن آية تثبت ملكية الإنسان للمال، وإنما يستخدم الله عز وجل عباده على هذا المال (وَأَنفِقُواْ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ)، (وَآتُوهُمْ مِّن مَّالِ ٱللَّهِ ٱلَّذِيۤ آتَاكُمْ).
يخاطبك الله وكأنه يقول: ألا تقرضني شيئا من هذا المال الذي بين يديك؟ إن أقرضتني شيئا منه أعدك بأنني أعيده إليك أضعافا مضاعفة. كيف يمكن للإنسان ألا يخجل من الله إذ يخاطبه بهذا الكلام المحبب؟!
من الواضح أن الله هو الغني، وكل ما عدا الله فقراء، ولكن المعنى المراد “من ذا الذي ينفق من هذا المال الذي أغدقه الله عليه إلى المحتاجين والفقراء الذين ابتلاه الله تعالى بهم، عبَّر البيان الإلهي عن هذا: بالإقراض لله”.
المفروض من العبد الذي أكرمه الله بشفافية إيمانية أن يراقب مولاه قائلاً: يا رب، العبد عبدك والمال مالك، كيف تجعلني مقرضا لك إن أنا وهبت أو أعطيت الفقراء الذين ابتليتني بهم شيئا من مالي، أنت الذي جعلته وديعة عندي ثم إنك تلزم ذاتك العلية بأن تعيده إليَّ أضعافا مضاعفة!
من تأمل هذا الكلام لا يمكن يجد البخل سبيلا إلى كيانه قط، يعلم أن الله لا يخلف الميعاد (فَيُضَٰعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً). روى الشيخان من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان، يقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تفلاً).
ينبغي أن نعلم أن الغنى والفقر أمران نسبيَّان، فما من إنسان من الناس إلا وهو غني بالنسبة إلى من كان دونه في الامتلاء، وما من إنسان إلا وهو فقير بالنسبة إلى من كان فوقه في التَّمَوُّل. وإذا عرفنا هذا فلنعلم أن هذا الخطاب الرباني موجه إلى الناس جميعا.
ونذكر أنفسنا بأقل المراتب بما افترضه الله تعالى علينا، وهو إخراج الزكاة التي هي حق الله في مال الإنسان، حق ثابت. ولو أن إنسانا باع ماله كله وقد تعلقت به الزكاة قبل أن يخرج زكاته لما صح البيع في جزء من هذا المال لأنه ليس ماله.
ولا بد أن أنبه نفسي وإياكم إلى حكم ينبغي ان نعلمه جميعا، إذا تعلقت الزكاة بالنقدين وجب إخراج الزكاة من جنس النقدين، وإذا تعلقت بسلع تجارية وجب إخراجها من جنس تلك السلع، وهكذا. فلا يجوز إخراج الزكاة هنا عن طريق المآدب في رمضان، وعن طريق إطعام الفقراء، هذا ليس زكاة، تعلقت الزكاة بالنقدين ينبغي أن أدفع للفقراء النقدين، أما أن أبسط الموائد الرمضانية فهذا شيء حسن، ومن فطر صائما كان له من الأجر القدر العظيم الذي لا يحصيه أح، ولكن على أن ألا يكون هذا زكاة، زكاتك تعلقت بسلع تجارية أو النقدين تجعل من الموائد الرمضانية حسابا تحسبه على الله لتقول في آخر رمضان: لقد أنفقت على هذه المآدب الرمضانية كذا وكذا وكذا فقد برئتُ من الزكاة التي فرضها الله عز وجل عليّ! لا، هذا تحايل على الله تعالى، لا تحاول أن تري الفقراء إحسانك وبرك بهم لتمتن بذلك على الله أنك قد دفعت زكاة مالك، ليت الناس يعرفون هذه الحقيقة.