الجمعة , نوفمبر 22 2024

ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا

لعل أخطر الفتن التي هي من علامات الساعة تلك التي تسري بالزيغ إلى العقول وإلى القلوب، قال صلى الله عليه وسلم (ستكون بعدي فتن كقطع الليل المظلم، يصبح المرء فيها مؤمنا ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل)، تلك هي أخطر أنواع الفتن، فما العاصم من هذه الفتن؟ قال صلى الله عليه وسلم (ستكون فتن كقطع الليل المظلم، فقال علي: ما العاصم منها يا رسول الله؟ قال: كتاب الله، فيه نبأ من قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم).

عندما نقرأ كتاب الله قراءة تدبر ، ونعلم أنه ينبغي أن يكون المهيمن عى أفكارنا وعواطفنا، ونطهر به أفئدتنا من الأحقاد والضغائن فلا شك أن الله سيجعل من هذا الكتاب حصنا، وأي حصن، لا يمكن لشياطين الإنس والجن مهما تكاثروا من حولك أن يسربوا ريبا إلى عقلك أو زيغا إلى قلبك أو أن يضعوا في قلبك نقطة سوداء من نقاط الضغينة والحقد، لا سيما على إخوة لنا سبقونا بالإيمان، لا سيما على أولئك الذين كان لهم قدم السبق وقدم صدق عند ربهم. أما من أعرض عن كتاب الله، أو أقبل إليه ولكن لأغراضه الدنيوية، لمصالحه الشخصية، لتغذية مزاجه، فهذا ليس مقبلا على كتاب الله، هذا في الحقيقة محجوب عن كتاب الله بألفاظه وبرعاية مصالحه والوقوف عند رغائبه.

إن أخطر الضعائن والأحقاد هي تلك التي تسري تجاه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمناظير السوداء التي توضع أمام الأبصار هي من آثار هذه الفتن. ما الذي يعصمني ويبقي قلبي نقيا طاهرا كما علمني الله عز وجل وكما ربيت منذ نشوئي في أجواء دين الله وكتابه وتعاليم حبيبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. ما العاصم من سوء الظن في حق أصحاب رسول الله؟ إنه كتاب الله.

نقرأ جميعا في كتاب الله شهادة يشهد بها الله للمهاجرين من أصحاب رسول الله (للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون)، وتجده يشهد للأنصار أهل المدينة الذين استقبلوا المهاجرين يقول (والذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) شهادة من الله في قرآنه لهؤلاء وأولئك. ثم يشهد لمن جاء من بعدهم (والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان) ثم تتوج الشهادة الربانية لهؤلاء وأولئك وأولئك بهذا الذي يبينه لنا الله عز وجل، ألا وهو القلب الطاهر النقي من الغل والأحقاد (يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم).

أرأيتم كيف يكون كتاب الله عاصما للقلب عن الزغل، وكيف يكون حصنا عندما تتدجى السحب الداكنة المنبثقة من قلوب مليئة بالأحقاد والغيظ الداكن التي لا تستطيع شياطين الجن أن يحركوا أو ينسفوا مثله. (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة)، من هم؟ هم جملة أصحاب رسول الله الذين بايعوه يوم صلح الحديبية (فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا). تأملوا في هذه الشهادة الأخرى التي تشملهم جميعا بشرف الشهادة الربانية (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار).

يا عباد الله، إذا رأيتم الخطب قد ادلهم، وسواد الفتن تتدجى ويقبل عن يمين وشمال، وأردتم أن تفروا من هذه الفتنة أيا كانت، وأن تجدوا المعتصم منها فاذكروا كلام الله واذكروا كلام رسول الله. قال صلى الله عليه وسلم (لا تسبوا أصحابي فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه). أسأل الله عز وجل أن يبرئنا من حب الذات وأن يطهرنا من حب الأنا وأن يحررنا من أتباع القوم والقومية، وما أخطر العصبية القومية إذ تهيمن على الكيان، ونسأله أن يجعلنا عبيدا لله عز وجل، نتآخا في الله ونتواد تحت مظلة العبودية لله، وتسري فيما بيننا جسور المحبة تحت مظلة قول الله عز وجل (إنما المؤمنون إخوة).