هل يعي المسلمون مآثر هذا الشهر الكريم وحِكَمه وأسراره وفضائله وآثاره؟
إن أمة الإسلام بحاجة ماسة إلى أن يستدعي أبناؤها معاني المحاسبة والتدبر والتقويم والتفكر التي يبرزها هذا الشهر الكريم، الذي يمثل جامعة للخير والبر ومدرسة للحلم والصبر ومنارة للإيمان والتقوى وحصنا من الفتن والأهواء وغذاء للأرواح وبلسما للجراح وكابحا للشهوات والغرائز وشاحذا للهمم والعزائم وجالياً لسخائم النفوس وأمراض القلوب وطريقا لتآلف الأمة وتراحم أبنائها وتعاونهم، فهو بحق ربيع المؤمنين وغنيمة الصالحين وفرصة العصاة والمذنبين.
من لم يستفد من عبادة الصوم دروسا وعبرا وآثارا وفكرا فمتى يستفيد؟!
ومن لم يقوِّم نفسه في رمضان فمتى يقوِّمها؟!
إن لم تعد أمة الإسلام إلى رحمة الإسلام والإقبال على كتاب الله في هذا لموسم الكريم متى تعود؟!
إن لم يتحرك علماؤها ومصلحوها ودعاتها ومفكروها للقيام بواجبهم تعميقا وعملا وإصلاحا وقربة فمتى عساهم أن يتحركوا؟!
إن لم تجتمع كلمة المسلمين وقد اجتمعوا على شعيرة الصيام صياما وعبادة وقياما فمتى تتوحد صفوفهم وتجتمع كلمتهم وتتقرر قلوبهم من معان البر والحقد والحسد والضغينة؟!
إن لم تعفَّ ألسنتهم عن الكذب والغيبة والنميمة والبهتان فمتى تكف؟!
إن لم يتحرروا من الشهوات والأهواء ويعودوا إلى ساحات الاهتداء فمتى يعودون إلى ذلك؟!
إن لم تَصُم سيوفهم عن جزّ رقاب بعضهم وتوجيهها نحو عدوهم الحقيقي فمتى يفعلون؟!
إن لم يقبل على الله من شغلته عن دينه دنياه فمتى يقبل؟!
إن لم ينتفع شباب المسلمين من هذه المواسم العظيمة صلاحا وإصلاحا فمتى ينتفعون؟!
وإن لم تعد نساء المسلمين إلى أجواء الإيمان والعفاف والاحتشام والحجاب فتى يعدن؟!
إن لم ينفق الأغنياء ويجودوا بأموال الله التي ابتلاهم بها فمتى يجودون؟!
في ديار المسجد الأقصى المبارك اليوم ما يبعث على الأمل بنصر الله في جهاد إخواننا هناك من أبناء فلسطين المسلمة، فلسطين المنسية، حيث الجهاد الحقيقي مع العدو الحقيقي بعيدا عن الخبل والكهنوت، هم في رباط حقيقي إلى يوم الدين، يضحون بكل ما يملكون أمام هجمة العدو الحقيقي الذي دمر وقتل وحرق على مرآ من العالم الذي يقف مكتوف الأيدي. ماذا على العرب أن يقولوا أمام هذا الدم المهراق على أرض فلسطين؟ّ! بل ماذا على من جرّد سيفه في وجه إخوته المسلمين بدعوى الجهاد ونصرة الخلافة المزعومة، ماذا عساه يقول وهو يرى جملة إخوانه من رجال ونساء وأطفال مزقتها طائرات العدو الحقيقي في فلسطين؟! ماذا عساه يقول وهو يقطع رؤوس إخوانه المسلمين ويدعي الغيرة على دين الله وحرمات الله والأقصى مدنّس محتل مهان؟! أما كان له أن يجاهد هذا العدو الحقيقي بدل من هذا العبث، بل هذا الجنون، بل هذا الخزي؟!
ادعوا أيها الإخوة في صلاتكم، في تراويحكم، في تضرعاتكم، في تهجدكم، ادعوا للمجاهدين الصادقين المرابطين على أرض فلسطين حتى يكون لرمضان دوره الطبيعي كشهر للانتصارات والكرامات. هناك على أرض الرباط أناس قدّر الله لهم أن يكونوا في رباط حقيقي إلى يوم الدين حتى لا يهنأ العدو في ديار المسلمين ولا يستمرئ الاعتداء على مقدساتهم.
إنه درس رمضاني بربري من غزة إلى الأمة في سائر أقطارها، إلى الأمة التي صبغ الذل وجهها على هذا النحو المعيب وهي تبدد جهودها في صراعات طائفية عصبية جاهلية مقيتة، وعدوها يعربد في أرضها ومقدساتها.
هل نعيد لرمضان دوره ومكانه في التأثير الحيوي على واقع أمتنا، وهل نواصل حياة العبادة والفقه والصلة، وهل نحقق الألفة والوحدة فيما بيننا، والتراحم والإحسان، والجود والعطف والمواساة. هذا ما نرجو ونؤمّله ونعيش بشائره بحمد الله وتوفيقه، فاتقوا الله يا عباد الله، وعظموا حرماته وشعائره، واقدروا هذا الشهر قدره، واستثمروا ساعاته وأيامه ولياليه، وصوموا صومكم عن كل ما ينقضه وينقصه، حذار أن تكونوا ممن حظه من صيامه الجوع العطش ومن قيامه السهر والنصب.