الجمعة , نوفمبر 22 2024

لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض

بالتوبة الصادقة النصوح إلى الله نستقبل أيام شهر رمضان المبارك (وَتُوبُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، (يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ تُوبُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً) خطاب إلى الناس جميعا بمن فيهم الرسل والأنبياء قال صلى الله عليه وسلم (والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة). وأذكِّرُ أولئك الناس الذين تاهت أسلحتهم ووقعوا بسببها في ضلال عجيب، ولم يعودوا يفرقون بين بَرٍّ ولا فاجر، ولا بين عدو وصديق، ومؤمن وكافر، إن هي إلا الاستكانة للرعونة والاستجابة للهوى، هذا القتال الذي يستحر بالمسلمين، أيا كانت مبادئهم، إلامَ يؤول أمرُه؟ في الرصيد النهائي يؤول أمره إلى هلاك المسلمين وإلى الشماتة التي تحيط بنفوس أعداء الله، وهاهم أولاء لا يبيعون فرحتهم لأحد، وهاهم أولاء يشمتون ويجعلون من هذا القتل الذي لا يفرح إلا الشيطان، يجعلون منه حجة لتدمير ديار المسلمين وتشويه صورة الإسلام والمسلمين، ولكن بأيدي المسلمين. ذلكم هو الذي يحذر منه كتاب الله ورسول الله صلى الله عليه وسلم القائل (من خرج من أمتي على أمتي يضرب برها وفاجرها ولا يتحاشى مؤمنها ولا يفي بذي عهد فيها فليس مني). وذلكم ما يقرره المنطق ويقرره الشرف.

لقد حذرت مرارا من هذا الهرج الذي حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأكرر هذا التحذير مع مقدم شهر رمضان المبارك لعل هؤلاء الذين أسكرتهم عصبياتهم يستيقظون من هذا السكر، لعل هؤلاء الذين يعبدون أهواءهم تحت مظلة الجهاد يستيقظون من هذا الجنون وهذا القتل المخزي، لعلهم يرعوون، ولعل أيام رمضان توقظهم ليتنبهوا إلى الفرق بين الجهاد الذي يتجسد في شهر رمضان بغزوة بدر والفتح.

قلت لكم مرة: إن العدو الذي جاء من أقصى الدنيا ليستحل الأرض والمقدسات وليعتدي على العرض وليقضي على المبادئ والقيم ينظر إلى أصول الإسلام وجذعه يريد أن يقتلعه، إذن ينبغي لمن يزعم أنه ينتصر لدين الله ينبغي ان يدافع عن الإسلام من حيث هو، بقطع النظر عن الفروع والاجتهادات المختلفة، هل من عاقل لا يدرك هذه الحقيقة؟!

الأمر يخطط له، والهدف من وراء ذلك أن يتهارج المسلمون بعضهم على بعض، وإلا فما الموجب لأن يمارس هؤلاء الإخوة فيما يسمونه عملا جهاديا، عمل ذاك الذي ينظر بعين حولاء، ينظر إلى العدو المحتل الجاثم في فلسطين المعتدي على مقدساتها، ولكنه لا ينقض إلا على من هم له إخوة في الدين، أنت ترى العدو أمامك، لماذا لا توقع به؟! إنهم يقيمون أنفسهم في مقام العمالة لهؤلاء.

كان في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم منافقون أساؤوا إلى الإسلام وإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك لم يُروَ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع في وجههم سلاحاً.

لعل هذا الشهر المبارك بنفحاته الإيمانية يوقظهم، فلمصلحة من هذا القتل الذي يجري؟! ولمصلحة من هذه الفتاوى التي تبيح قتل المسلم للمسلم، بل قتل الإنسان للإنسان؟! أما كان الأولى لعلماء وساسة السنة ومرجعيات وساسة الشيعة أن يلتقوا ويتشاوروا في سبيل حقن دماء البشر! ألم نؤمر بحوار الكافرين (قل يأيها الكافرون)، ألم نؤمر بحوار أهل الكتاب (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء)، ألم يصف القرآن الأعداء بالإخوة (وإلى ثمود أخاهم صالحاً). لم لا يلتقون وقد التقوا بحاخامات اليهود ورهبان النصارى! أهلكوا الحرث والنسل وهم يقولون (روافض ونواصب، يزيد والحسين…) ما شأنكم أنتم بهؤلاء؟! ومن أذن لكم بالنطق باسمهم؟! ولمصلحة من ينبش التاريخ وقد عفاكم الله من تبعاته إذ قال (تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون). أما أن تكون القطيعة والدم ينزف بهذا الشكل المخزي فهنا السؤال: هل أمر هؤلاء وإرادتهم بأيديهم أم بأيدي الأعداء؟! لا تستمعوا إلى فتاوى علماء الفتنة من السنة ومرجعيات الجهاد الأحول من الشيعة، نعم لن نستمع إليهم، ولن ننقاد إليهم طالما أرخصوا دماء الناس بهذا الشكل. والمخزي أن الصهاينة من أجل ثلاثة مستوطنين أقاموا الدنيا ولم يقعدوها، لا نستطيع أن نكون بلهاء! لن نستبدل فقه القرآن والسنة بفقه القتل والجنون!