الجمعة , نوفمبر 22 2024

غزة والعزة والمسلمون و الذلة

إن دينكم الإسلامي دين ينأى بأتباعه عن مواقف الذل والمهانة والضعف والاستكانة، ويترفع بهم عن كل مظهر يخدش الكرامة ويجرح المكانة، فالعزة والإباء والكرامة والإخاء خِلال عظماء ومُثُلٌ عليا دعا إليها الدين وحث عليها وغرسها في قلوب أبنائها وتعهدها بالنماء ليوقن المسلم يقينا لا يهتز بأن كل متكبر دون الله فهو صغير، وكل غني سواه فقير، وكل متعاظم بعده حقير، كل ذلك لأنه لا يخاف إلا الله، ولا يردّ إلا إياه، ولا يطلب العون والنصر إلا من عنده تعالى، فلا يخطئ نفسه لمخلوق، ولا يتقعقع لبشر، ولا يكون جبانا مستباحا غرضا لكل طامع، ولا رغيفا لقمة لكل جائع، بل يستميت دون دينه ونفسه وعرضه وماله، وإن حصل له مشقة وعناء وأريقت من أجل ذلك دماء ومزقت فيه أشلاء فإن ذلك كله رخيص لصيانة الدين والديار وحماية الأهل والعرض، فالبقاء على الذل مرفوض، وقبول البغي والضيم ممنوع، وأخوة الإسلام ورابطة العقيدة تسمو على كل الروابط المادية والنعرات الطائفية، وأينما ذكر اسم الله في بلد عددت ذاك الحمى من صلب أوطاني. وأخوة الدين تفرض التناصر بين المسلمين لإحقاق الحق وإبطال الباطل وردع المعتدي وكف الظالم. وإن خذلان المسلم لأخيه المسلم أمر عظيم وخطب جسيم، وهو ذريعة خلان المسلمين جميعا، حيث يقضي على خصال الإباء والشهامة، والبذل والنصرة بينهم، وقد هزت الأمة وسادت وانتشرت وقادت يوم أن اعتزت بالإسلام وجيشت الجيوش وسارت القوافل لقمع أعداء الدين. ويوم أن هانت الأمة عند ربها هانت عند أعدائها. (وَمَن يُهِنِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ).

أحوال تُشكى إلى الله، ودماء المسلمين أرخص دماء، ولا حول ولا قوة إلا بالله. أعداء الإسلام يقيمون الدنيا ولا يقعدونها لا لأن أحدا منهم يقتل وإنما لأن شخصا يتجرأ بتصريح يحاكي سواهم أو يعادي مناهم، فالله المستعان.

إلى متى الذلة يا أمة الإسلام! إلى متى تظل الأمة تتجرع غصة المذلة أمام أعداء الإسلام! ماذا أصاب المسلمين! أين شعور الجسد الإسلامي حين يصاب جزء منه! ماذا أصاب خير أمة أخرجت للناس! ماذا جرى لأمة العز والشهامة وأمة النجدة والكرامة! إلى متى يظل الإسلام يحجم في حدود جغرافية وخرائط سياسية! أين موقع المسلمين من النظام الدولي الجديد! أين الصوت الإسلامي أمام منابر العالم وفي المحافل الدولية! أين مكانة المسلمين في القرارات العالمية! لماذا لا كون لهم وزن ولا تأثير رغم تخمة المال وعدد الرجال! لماذا يقود الأعداء زمام المبادرة في كل قضية بما فيها قضايا المسلمين! لماذا يترك لهم الميدان وحدهم والمسلمون يتفرجون! ماذا جنى المسلمون حين تقاعسوا عن القيام بواجبهم والدفاع عن حقوقهم! ماذا جنى المسلمون من فرقتهم وانتصارهم للحدود والحارات الضيقة!

أين الناس عن عظم المأساة التي نعيش! أين المعنيون بقضايا الأمة وحقوق الدول! أين منظمات العالم وهيئاته المتحدة ومجلس أمنه ومحكمة عدله الدولية! أين المتبجحون برعاية الحقوق الإنسانية! وأخيرا، أين هي الدول والحكومات والشعوب العربية والإسلامية! إنه إن تخاذل هؤلاء وأولئك فإن لأهلنا هناك ربا يحميهم، وللأعداء نارا تصليهم. ألا أفٍّ لعين لا تسُحُّ دمعا على هذه الأحوال ولقلب لا يتفطر حسرة على هذه الأوضاع، ونعوذ بالله من قسوة القلوب وجمود المشاعر وتبلد الأحاسيس وموت الضمائر، فأين هي أمة الإسلام!

أيعجز المسلمون وهم أكثر من مليار ونصف المليار مسلم أن يقدموا لإخوانهم النصرة والمعونة! أيعجز حكام المسلمين أن يكون لهم قرار يرموا بثقلهم لدى أصحاب القرار ولا يكتفوا بالشجب والإدانة والاستنكار!

منذ زمن طويل لم يمر على الأمة الإسلامية عيد فطر بهذه الظروف بالغة السوء، رمضان شهر الخير والرحمة تحول بفضل عدوّين اثنين إلى شهر من العذاب والدمار والقتل والتشريد، العدوان هما الصهاينة من جهة وما يفعلونه في فلسطين، والتطرف الطائفي الأهوج وما يفعله في العراق وسورية، فإذا كانت إسرائيل عدوا خارجيا معروفا فإن التطرف الأهوج أصبح الآن عدوا داخليا لا يقل بشاعة وهمجية. ففي الوقت الذي يشاهد فيه هؤلاء المتطرفون البطش والقتل الصهيوني للمسلمين لم يكتفوا بالخذلان والصمت بل رأيت عددا منهم يتهم سكان غزة بالتشيع ويبرر للصهاينة ما يفعلون من قتل وتشريد ويفتي بعدم جواز نصرة أهل فلسطين على اعتبار أنهم شيعة، بل ويستمرون هناك في سورية والعراق بذبح المسلمين لأتف الأسباب، ناهيك عن هدم المساجد والأضرحة والكنائس، وتشريد المسلمين والمسيحيين وسرقة ممتلكاتهم، وقتل الأسرى بطريقة وحشية لا تنتمي لأدنى مبادئ الإنسانية، ولا أقول الإسلامية لأنهم لا يعرفون الإسلام، وأنا أدرك أن حملتهم على غزة وشعب غزة المجاهد تنطلق من أن الدم الفلسطيني في غزة كشف سوءاتهم وأفسد مشروعهم الطائفي الممول من قوى الشر في العالم وأفصح عن حقيقته.

دور الفرد واضح في ضرورة الدعاء أولا، والمتابعة والإحساس والشعور، ومد يد العون ما أمكن، والعمل على صناعة الرأي العام من خلال مناقشة قضايا المسلمين وطرحها، والوعي لما يحاك لهذه الأمة.