دين الإعتدال و الوسطية ، مقتطفات من خطبة الشيخ حسني حسن الشريف ألقاها في أكرا عاصمة دولة غانا في مسجد الجامعة الإسلامية العالمية :
قال تعالى “وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا”.
الوسطية هي بمعنى الحقيقة والعدل، أي طالما أنكم أمة بحث عن الحقيقة وأمة عدل فأنتم شهداء على الناس ورسول الله ﷺ عليكم شهيدا.
يجيء نوح عليه السلام يوم القيامة، فيقول الله لقوم نوح عليه السلام: هل بلّغكم؟ فيقولون: لا، ما جاءنا نبي، فيقول الله لنوح: من يشهد لك يا نوح؟ فيقول نوح عليه السلام: يا رب يشهد لي محمد وأمته ﷺ، فيقول رسول الله ﷺ: نشهد لنوح أنه قد بلّغ.
أمر الله رسوله أن يتجه إلى قبلة أهل الكتاب، ثم أمره بالتوجه إلى الكعبة، فامتثل أمر الله، وهذا عدل ووسطية، ولو أن الأمم الأخرى استجابت كما استجاب رسول الله ﷺ إذاً لصار هلال العالم الإنساني بدراً بهذا التواصل ما بين القبلتين.
وانظروا إلى هذا التلاقي “قل يأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله…” هذه هي الوسطية المبنية على الحوار والتعايش والتواصل والبحث عن الحقائق والإيمان بالأنبياء جميعا. “وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر”.
وديننا يقوم على السلمية لا على الحرب “يأيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة …” لقد ابتليت مجتمعاتنا الإسلامية، وخاصة في بلاد الشرق، من فهم الإسلام فهماً مغلوطاً، فشوه صورة الإسلام، وأعطى انطباعاً عن الدين أنه يقوم على سفك الدماء وجزّ الرقاب، وديننا دين الوسطية والعدل والحق والحقيقة والسلمية.
وههو سيدنا علي يرفض تكفير الخوارج، ويقول: هم إخواننا بغوا علينا.
وههو حاطب بن أبي بلتعة يخبر قريش بقدوم رسول الله ﷺ إلى مكة ففوصل الخبر إلى قريش وإلى رسول الله، فما كان من رسول الله إلا أن سأله، فذكر حاطب قرابته في مكة، وصِلَته بأهل مكة، فلم يَقُم رسول الله ﷺ بإهدار دمه، ولا أمر بقتله، رغم أن عمر بن الخطاب قال: دعني أضرب عنق هذا المنافق! فسكت رسول الله ﷺ، وأجاب الله من فوق سبع سماوات منادياً “يأيها الذين آمنوا …” وصفه أنه من أهل الإيمان… ولم يكفّره ولم يخرجه من الملة…. ولم يأمر بقتله…. بل قال: “يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء…”. ماذا لو حصلت هذه القصة في ديار المسلمين اليوم؟! لاتُّهم بالخيانة العظمى، ولأُمر بقتله وسَحْله … لكن المشرّع (رب العزة) قال: “يأيها الذين آمنوا”، ولم يقل يأيها الذين كفروا.
إن من بين الأسباب التي أدت إلى جنوح الناس عن دينهم هو الخلط بين مفهومين أو مبدأين من المبادئ الإسلامية، مبدأ المولاة، ومبدأ البرّ. مبدأ المولاة منهي عنه، كما في الآية، أما مبدأ البر فنحن مأمورون به في علاقتنا فيما بيننا، وعلاقتنا مع أهل الأديان الأخرى “لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم…” “إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم…”.
لولا الوسطية والعدل والرحمة والحقيقة لما انتشر الإسلام في ديار المسلمين، ولما وصل إلى دياركم هذه، فاحرصوا على وسطية دينكم. ونصيحة أسديها إلى العلماء في كل ديار المسلمين وفي بلدكم هذا: احرصوا على الوسطية وربّوا النشأ على رحمة الإسلام وتلاوة القرآن، فتلاوة القرآن وحدها تليّن القلوب وتؤلّفها، وتبعد شبح التطرف والمغالاة…
نتعايش مع بقية أهل الملل، وثيقة المدينة النبوية التي رسمها وأقرّها رسول الله ﷺ في العام الأول للهجرة، هي وثيقة تعايش ما بين المسلمين وأهل الكتاب، بل والكفار أيضا، فهي وثيقة مدنية لدولة مدنية، تقوم على المواطنة، فأحثّكم على هذه المواطنة.