في استقبال عام وتوديع آخر تأملوا وتدبروا:
هل انجلت غواشي الغفلة عن العيون السادرة؟ هل ارتفع الذل عن النفوس العزيزة؟ هل اجتمعت القلوب المتنافرة؟ هل ملت النفوس الحديث عن الآمال والبشائر؟ هل لم تستفد من زمنها وتقلب الأيام بها إلا الجدل العقيم بتأييد رأي وتفنيد آخر؟ هل هي خطب بالكلام وانتصارات بالأماني والأحلام؟
حين هاجرت أمة الإسلام إلى طيبة، هاجرت وهي ضعيفة في قواها، راسخة في إيمانها، انطلقت من قريات الجزيرة إلى قارات الدنيا… توحيد الله والكلمة والقوة والغاية…. رسالتها وحي السماء لا وحي الجوع والمطامع!
وعندما ضعفت الكواهل عن حمل التكاليف … وأخذتها سنة من النوم، فلما استيقظت لتنفض الغبار عن المتاع فإذا العالم يعصف به سعار من الجشع المسلح والطمع الباغي، وإذا الدين الحق يغطيه غبش المزاج الغربي بعلمانيته وماديته، وإذا الذين الين يزعمون زورا أنهم ينتسبون لنبي الله موسى عليه السلام ينهجون نهج المكر والدّس والقتل والفتك والاحتلال والتدمير، وإذا الغرب يناصرهم دون وازع ضمير… حضارة مادية هي علة شقاء العصر، تباعدت بها القربى، وتنافست فيها الأطماع، وتنامت فيها الأحقاد، واضطرب الناس في سبيل المعاش، وألهبهم حوافز النهم والطمع، وتخاصموا على بلاد الضعفاء، وحكّموا في رقابهم السلاح، فكانت الدنيا بحضارتهم عذابا أليما، ينضج الجلود ولا يزهق الأرواح، وهذا حال من التأمل آخر.
إن الإسلام حق بذاته، ولا يزال كتاب الله محفوظا يعمر القلوب والروح، حياة وعقيدة وشريعة، دستور ومحبة وسلام وأمان… وهؤلاء الصهاينة، ومن خلفهم قوى الاستعمار هالهم سرّه، وراعهم حقيقته، فحاولوا أن يطفؤوه من مشرق نوره… ولقد أخطؤوا فهمه وجهلوا قوته…
وتتأكد قوة الإسلام حين برز في هذه الأيام شباب حديثة أسنانهم في بيت المقدس وأكنافه، رفضوا الأمر الواقع، وتمردوا على كل مخططات التخدير والتدجين، فأروا الله من أنفسهم خيرا، وأعادوا الأمل من بعد اليأس نصرة للأقصى “لا تزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله، لا يضرهم خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك، قيل أين هم يا رسول الله؟ قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس”.
المسلمون الصادقون لا تتزعزع فيهم الثقة بأن المستقبل لهذه الأمة، وما عليهم إلا أن ينهضوا بحقوق هذا الدين، ويثبتوا على صراطه المستقيم مهما تكاثرت المحن وتراشقت الفتن، يقين جازم بأن نصر الله للمؤمنين حق، ولو كان الواقع المشاهد يستبعدها، والظرف الراهن يرتاب فيها “وكان حقا علينا نصر المؤمنين”.
المؤمنون يعملون ويغرسون، وإنهم ليقطفون ثمار غرسهم في المستقبل القريب أو البعيد…