المعروف و التراحم ، جرت سنة الله أن جعل الناس بعضهم لبعض سُخرِيَّا، لا تستقر حياتهم إلا بالتعاطف وفشو المودة. يرفق القوي بالضعيف، ويحسن المكثر على المقلّ، ولا يحيق البلاء إلا حين يفشو التقاطع والتدابر.
عزيز على النفس الكريمة المؤمنة أن ترى مسكينا بليت ثيابه حتى تكاد لترى عورته، أو تبصر حافي القدمين أدمت الحجارة أصابعه وقطعت عقبيه، أو تلحظ جائعا يمد عينيه إلى شيء غيره فينقلب إليه البصر وهو حسير.
أين وازع الإيمان؟ حين خلق الله المعروف خلق له أهله وحببه إليهم وحبب إليهم إسداءه. وإن الله إذا أراد بعبده خيرا جعل قضاء حوائج الناس على يديه. ومن كثرت نعم الله عليه كثر تعلق الناس به، فإن قام بما يجب عليه لله فيها فقد شكرها وحافظ عليها، وإن قصّر وملّ وتبرّم فقد عرّضها للزوال، ثم انصرفت وجود الناس عنه.
“من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسّر على معسر يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه”.
ومن فرّج كربة أخيه فرّج الله كربته، والتنفيس جزاؤه تنفيس مثله.
قال بعض الحكماء: أعظم المصائب أن تقدر على المعروف ثم لا تصنعه.
يقول سيدنا علي رضي الله عنه: يا سبحان الله، ما أزهد كثيرا من الناس في الخير، عجبت لرجل يجيئه أخوه لحاجته فلا يرى نفسه للخير أهلا، فلو كنا لا نرجو جنة ولا نخاف نارا، ولا ننتظر ثوابا ولا نخشى عقابا لكان ينبغي لنا أن نطلب مكارم الأخلاق فإنها تدل على سبل النجاة، فقال رجل فقال: يا أمير المؤمنين، أسمعته من رسول الله ﷺ؟ قال: نعم، وما هو خير منه، لقد أوتينا بسبايا طي، كان في الناس جارية حسناء، تقدّمت إلى رسول الله ﷺ فَقَالَتْ: يَا مُحَمَّدُ، هَلَكَ الْوَالِدُ، وَغَابَ الْوَافِدُ، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُخَلِّيَ عَنِّي، فَلا تُشْمِتْ بِي أَحْيَاءَ الْعَرَبِ، فَإِنِّي بِنْتُ سَيِّدِ قَوْمِي، كَانَ أَبِي يَفُكُّ الْعَانِي، وَيَحْمِي الذِّمَارَ، وَيُقْرِي الضَّيْفَ، وَيُشْبِعُ الْجَائِعَ، وَيُفَرِّجُ عَنِ الْمَكْرُوبِ، وَيُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَيُفْشِي السَّلامَ، وَلَمْ يَرُدَّ طَالِبَ حَاجَةٍ قَطُّ، أَنَا بِنْتُ حَاتِمِ الطائي، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ” يَا جَارِيَةُ، هَذِهِ صِفَةُ الْمُؤْمِنِ، خَلُّوا عَنْهَا، فَإِنَّ أَبَاهَا كَانَ يُحِبُّ مَكَارِمَ الأَخْلاقِ”.
إننا بأمس الحاجة إلى رحمات الله تتنزل علينا، تحول ذلنا إلى عز وهزيمتنا إلى نصر… وإن الله لا يرحمن من عباده إلا الرحماء.
لتكن النفوس سخية، والأيدي بالخبر ندية، واستمسكوا بعرى السماحة، وسارعوا إلى سداد عوز المعوزين. ومن بذل اليوم قليلا جناه غدا كثيرا، تجارة مع الله رابحة، وقرض لله حسن مردود إليه أضعافا مضاعفة. إنفاق بالليل والنهار، سرا وعلانية…
واحفظوا لإخوانكم حقوقهم، واعرفوا فضل الله عليكم.