الإجازات:
تدلُّنا الإجـازاتُ التي تلقاها شيـخُنا وأستـاذنا الشيخ عبد الرحمن حسين الشريف (المتوفى عام 1305هـ – 1888م) عن عدد من شيوخ زمانه والإجازات التي أعطاها لبعض خلفائه على أنه كان خلوتي الطريقة في الأصل، ثم جمع إلى جانب هذه الطريقة إجازات بمشيخة سبع طرق أخرى، وهي إجازات موثقة ومحتفظ بها إلى اليوم، وهذه الطرق هي:
الرفاعية والقادرية والأحمدية والدسوقية والشاذلية اليشرطية والنقشبندية والإدريسية. ولذلك كان يكتب في صدر إجازاته – مثلما يشير في أوراده ورسائله إلى طريقته – بأنها: «الطريقة الخلوتية الرفاعية القادرية الأحمدية الدسوقية الشاذلية النقشبندية الأحمدية الإدريسية». وهو الأمر الذي حدا بخلفائه من بعده؛ وهم جيل الشيوخ اللاحقين له مباشرة إلى إطلاق اسم «الرحمانية الجامعة» على مجمل هذه الطرق. «الرحمانية» اشتقاقًا من اسمه «عبد الرحمن»، و«الجامعة» لكونها جمعت بين هذه الطرق كلها؛ في أسانيدها وآدابها وأورادها التي فتح الله بها على سيدنا الشيخ عبد الرحمن الشريف، معبرة عن روح أوراد الطرق كلها.
ولما كانت الطريقة الخلوتية هي مبدأ التلقي بالنسبة لشيخنا، أُطلق على الطريقة اسمها الحالي وهو «الخلوتية الرحمانية الجامعة» أو «الجامعة الرحمانية».
وتشير الراوية التالية التي وردت في إجازة سيدنا الشيخ عبد الرحمن الشريف إلى أحد خلفائه (وهو الشيخ شحادة العناني العمري) إلى كيفية تلقيه الطريقة الخلوتية والطرق الأخرى يقول:
«إِنَّ وَالدِي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ – يَقْصِدُ الشَّيْخَ حُسَيْناً الشَرَيْفَ الَّذِي كَانَ شَيْخَ زَاوِيَةِ الأَشْرَافِ وَالمُتَوَفَّى 1258هـ _ 1842م – صَرَّحَ لِي بِأَنَّ شَيْخِي هُوَ أَبُو الأَنْوَارِ مَحْمُوْدٌ الْطَّرَابُلْسِيّ الرَّافِعِيّ العُمَرِيّ، قَائِلاً لِي: «يَا وَلَدِي قَدْ أَخْبَرْتُكَ بِما أَنا مُجازٌ بِهِ مِنْ أَشْيَاخِي. غَيْرَ أَنَّ شَيْخَكَ الَّذي عَلَيْهِ المُعَوَّلُ، وَخِدْمَتُهُ أَوَّلُ، هُوَ سَيِّدي أَبو الأَنْوارِ. فَتَوَجَّهْ إِلَيْهِ بَعْدَ مَوْتي لِتَغْتَنِمَ أَنْظارَهُ وَرِضَائِي».
فَكَانَ الأَمْرُ كَما أَمَرَ؛ وَهُو بِأَنْ آتي سَيِّدي العَارِفِ المُشارِ إليهِ بعدَ أَن انْتَـقَلَ وَالدِي بِشَهْـرَيْنِ ـ وَكَانَ عُمْرُ الشَيّخِ عَبدِ الرَّحْمنِ حِينَذاكَ أَرْبَعَ عَشْرةَ سَنَةٍ ـ ثمَّ أَمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِتَوَجُّهي صُحْبَتَهُ، فَتَوَجَّهْتُ لِخِدْمَتِهِ مَصْحوباً بِوَالِدَتي وَإِخْوَتي. وَأَقَمْتُ بِذَلِكَ النَّادِي، وَاقِفاً بَيْنَ الأَيَادي ثَلاثَ سِنينَ، بَعْدَ أَنْ لَقَّنَنِي الأَسْماءَ السَّبْعَةَ عَلى طَريقِ السَّادَةِ الخَـلْوَتِيَّةِ بِالإِشَاراتِ البَاطِنِـيَّةِ. وَأَدْخَلَنِي خَلْوَتَهُمُ المَرْضِيَّةَ. وَأَلْبَسَنِي خِرْقَتَهُمُ السَّنِيـَّةَ. وَأَجازَني رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِجَازَةً صَريحَةً عَامَّةً مُطْلَقَةً في ذَلِكَ كُلِّهِ؛ وَهُوَ بِأَنْ أُجِيزُ مَنْ شِئْتُ.
وَمِنْ فَيْضِ تَعَطُّفَـاتِهِ وَفَرِيْدِ بَرَكَـاتِهِ قَدْ أَجْـازَنِي أَيْضاً فِيْ الْطَّرِيْقَةِ الرِّفَاعِيَّةِ إِذْنَاً عَامّاً فِيْ ذَلِكَ المَجْلِسِ الَّذِي أَجَازَنِي بِهِ فِي الطَّرِيْقَةِ الْخَلْوَتِيَّةِ. ثُمَّ أَمَرَنِي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِالْمَسِيرِ إِلَى وَطَني، أَعْتَابِ السَّيِّدِ الخَلِيْلِ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ صَلَوَاتُ المَلِكِ الجَلِيْلِ. فَشَرَعْتُ فِي إِعْطَاءِ الْطَّرِيْق وَإِنْ لَمْ أَكُنْ لِذَلِكَ أَهْلَاً. فَإِذْنُ الْأَشْيَاخِ حُجَّةٌ، وَعَلَيْهِمُ الْتَّعْوِيْلُ وَالمَحَجَّةُ.
وَبَعْدَ انْتَقَالِهِ (أَي أَبُوْ الْأَنْوَارِ) رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لِدَارِ البَقَاءِ، رَأَيْتُ مَنْ يَطْلُبُ مِنّي الْطَّرِيْقَةَ القَادِرِيَّةَ أَيْضاً وَغَيْرَهَا. فَعِنْدَ حُضُوْرِ وَلَدِهِ العَارِفِ بِاللهِ سَيِّدِي السَّيِّدِ أَحْمَدَ الرّافِعِيّ، أَجَازَنِي إِجَازَةً صَرِيْحَةً فِي الطَّرِيْقَةِ القَادِرِيَّةِ. وَأَمَرَنِي بِتَلَقّي بَاقِي الطُّرُقِ مِمَّنْ أُرِيْدُهُ. فَتَلَقَّيْتُ الطَّرِيْقَةَ الْأَحْمَدِيَّةَ عَنْ سَيِّدِي مُحَمَّدٍ البَابِلِيّ عِنْدَ أَنْ قَدِمَ مِنَ الحَجِّ الشَّرِيفِ مُتَوَجِّهَاً لِبِلَادِهِ. وَهُوَ تَلَقّى مِنّي الطَّرِيْقَةَ الخَلْوَتِيَّةَ.
وَتَلَقَّيْتُ الطَّرِيْقَةَ الدَّسُوْقِيَّةَ عَنْ سَيِّدِي يُوْسُفَ الْمَخْزُوْمِيّ الْخَالِدِيّ عِنْدَ قُدُوْمِهِ لِزِيَارَةِ أَعْتَابِ السَّيِّدِ الخَلِيْلِ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ صَلَوَاتُ المَلِكِ الجَلِيْلِ. وَذَلِكَ مِنْ فَيْضِهِ تَعَالَى وَمِنْ أَنْفَاسِ سَادَاتِي، حَيْثُ قَرَّبَ اللهُ هَذَيْنِ الْشَّيْخَيْنِ لِمَحَلِّ وَطَنِي وَإِقَامَتِي. فَإِنَّهُمَا مِنْ أَكَابِرِ الْكَامِلِيـنَ. وَأَمَّا الطَّرِيْقَةُ الَشَّـاذُلِيَّةُ فَقَدْ أَخَذْتُهَا عَنْ سَيِّدِي العَارِفِ بِاللهِ تَعَالَى عَلَيٍّ بْنِ يَشْرُطَ التُّوْنُسِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ» اهـ.
وتتضح من هذه الرواية الموثقة في إجازة محفوظة لدى شيخ الطريقة الحالي سيدنا الشيخ حسني الشريف إلى اليوم، كيفية تلقى سيدنا الشيخ عبد الرحمن الشريف ست طرق وهي: الخلوتية والرفاعية والقادرية والأحمدية والدسوقية و(الشاذلية اليشرطية).
أما الطريقة النقشبندية فقد تلقاها عن سيدي محمد بن عبد الله اليماني الموكّل بذلك من قبل سيدي الشيخ عبد الله شاه الدهلوي. كما تلقى الطريقة الأحمدية الإدريسية عن سيدي العارف بالله إبراهيم الرشيدي بواسطة الشيخ أبو بكر إسماعيل.
وبذلك يكتمل عقد الطرق الثمـانية التي تتشكل منها (الجامعة الرحمانية).
أهمية السند:
واستمرار السند وعدم انقطاعه أمر جوهري في التصوف، سواء في تلقي مشيخة الطريق أو في تلقيـن العهد للمريد. فمن ادعى المشيخة بدون سند فهو مقطوع ولا يعتد بمشيخته. ومن لم يكن مأذوناً منهم فهو مطرود من حضرتهم حتى لو ادعى سنداً مسروقاً لا يقوم على إجازة أو دليل. ومن لم يدخل في طريق القوم من المريدين بالتلقين فهو غير معدود منهم لأن الطريق سلوك، والسلوك صحبة، ولا صحبة بدون عهد، ولا عهد بدون إذن، ولا إذن بدون سند. وهذا أمر لا خلاف عليه عند أهل التصوف.
ومن هنا رأينا سـادتنا الـمشايخ يؤكدون على إيراد أسانيدهم في إجازاتهم لخلفائهم. وهو أمر نلمسه واضحاً جلياً في إجازات سيدنا عبد الرحمن الشريف لخلفائه (وهم كثر) فكان يذكر في كل إجازة جميع أسانيد الطرق التي تلقاها بدءاً بالخلوتية وانتهاءاً بالأحمدية الإدريسية.
أسانيد الطرق الثمانية:
يطول بنا المقام هنا إذا ذكرنا أسانيد هذه الطرق كلها، وهي محفوظة لدى شيخ الطريقة الحالي سيدنا الشيخ حسني الشريف بكاملها، ولذلك نؤثر أن نورد هنا نبذة سريعة عن سند كل طريقة من حيث مبتدأ تلقي شيخنا لها مع الإشارة إلى أقطابها الرئيسيين.
أولاً: الطريقة الخلوتية:
تلقاها سيدنا الشيخ عبد الرحمن حسين الشريف عن طريقين:
الطريق الأول عن والده الشيخ حسين بن الشيخ يوسف الشريف.
والطريق الثاني عن الإمام العارف بربه الشيخ محمود أفندي الرافعي العمري الطرابلسي الشهير بأبي الأنوار رضي الله عنه، وهو عن سيدي أحمد الصاوي، وهو عن سيدي أحمد بن محمد الدردير العدوي (صاحب الصلوات الدرديرية وورد المسبعات)، وهو عن سيدي شمس الدين محمد بن سالم الحفناوي، وهو عن سيدي مصطفى البكري (صاحب ورد السحر)، وهو عن سيدي عبد اللطيف الحلبي، وهو عن سيدي مصطفى أفندي الأدرَنوي، وهو عن سيدي علي قِرا باشا أفندي، وهو عن سيدي إسماعيل الجرومي، وهو عن سيدي عمر الفؤادي، وهو عن سيدي محي الدين القسطموني، وهو عن سيدي شعبان القسطموني، وهو عن سيدي خير الدين التوقادي، وهو عن سيدي جَلبي سلطان الأقسدائي الشهير بجمال الخلوتي، وهو عن سيدي محمد بهاء الدين الأرذنجاني، وهو عن سيدي يحيى الباكوبي، وهو عن سيدي صدر الدين الخياني، وهو عن سيدي عز الدين، وهو عن سيدي محمد مبرام الخلوتي، وهو عن سيدي عمر الخلوتي، وهو عن سيدي أخي محمد الخلوتي، وهو عن سيدي إبراهيم الزاهد التكلاني، وهو عن سيدي جمال الدين التبريزي، وهو عن سيدي شهاب الدين محمد الشيرازي، وهو عن سيدي ركن الدين محمد النجاشي، وهو عن قطب الدين الأبهري، وهو عن أبي النجيب السهروردي، وهو عن سيدي عمر البكري، وهو عن سيدي وجيه الدين القاضي، وهو عن سيدي محمد البكري، وهو عن سيدي محمد الدنيوري، وهو عن سيدي ممشاد الدنيوري وهو سيدي سيد الطائفتين أبي القاسم الجنيد محمد البغدادي.
وللجنيد رضي الله عنه في الطريقة سندان:
أحدهما عن سيدي سري السقطي عن سيدي معروف الكرخي عن سيدي حبيب العجمي عن سيدي داود الطائي عن سيدي الحسن البصري عن سيدنا الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والسند الثاني هو عن سيدي سري السقطي وهو عن سيدي معروف الكرخي وهو عن الإمام علي بن موسى الرضي وهو عن الإمام موسى الكاظم وهو عن والده الإمام حعفر الصادق وهو عن والده الإمام محمد الباقر وهو عن والده علي زين العابدين وهو عن عمه الإمام الحسن وهو عن والده الإمام علي بن أبي طالب وهو عن سيد الكائنات سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثانياً: الطريقة الرفاعية:
تلقاها سيدنا الشيخ عبد الرحمن حسين الشريف عن طريقين:
الطريق الأول: عن شيخه أبي الأنوار الرافعي.
الطريق الثاني: عن السيد مصطفى الرفاعي.
وتعود هذه الطريقة إلى سيدي السلطان أحمد الرفاعي الكبير رضي الله عنه الذي يعود سنده أيضاً إلى الجنيد البغدادي والسلسلة التي أخذ عنها.
ثالثاً: الطريقة القادرية:
تلقاها سيدنا الشيخ عبد الرحمن حسين الشريف عن طريقين:
الطريق الأول: عن سيدي أحمد بن الأستاذ أبي الأنوار الرافعي.
الطريق الثاني: عن سيدي الشيخ علي الجيلاني.
وتعـود هذه الطريقة إلى سيدي السلطـان عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه الذي يعود سنده أيضاً إلى الجنيد البغدادي والسلسلة التي أخذ عنها.
رابعاً: الطريقة الأحمدية:
تلقاها سيدنا الشيخ عبد الرحمن حسين الشريف عن سيدي محمد البابلي الذي يعود سنده إلى سيدي السلطان أحمد البدوي رضي الله عنه. الذي تلقى الطريقة بأسانيد متعددة ينتهي أحدها إلى الجنيد البغدادي وأشياخه وغيره إلى سيدي شمس الدين محمد بن يوسف المغربي الفاسي، عن حبيب العجمي، عن الحسن البصري عن عمران بن حصين عن أنس بن مالك صاحبي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
خامساً: الطريقة الدسوقية:
تلقاها سيدنا الشيخ عبد الرحمن حسين الشريف أولاً عن سيدي يوسف كمال الدين المخزومي، ثم تلقاها فيما بعد عن سيدي يحيى بن غنام. ويعود هذان السندان إلى سيدي السلطان إبراهيم الدسوقي رضي الله عنه. وتعود أسانيد السلطان الدسوقي إلى الجنيد البغدادي وسلسلته.
سادساً: الطريقة الشاذلية:
تلقاها سيدنا الشيخ عبد الرحمن حسين الشريف عن سيدي الأستاذ علي بن يشرط التونسي الحسني. ويعود سند هذه الطريقة إلى سيدي أبي العباس المُرسي عن سيدي أبي الحسن الشاذُلي الذي يعود سنده إلى سيدنا الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عن أبيه وعنه.
سابعاً: الطريقة النقشبندية:
تلقاها سيدنا الشيخ عبد الرحمن حسين الشريف عن سيدي محمد بن عبد الله اليماني عن سيدي الشيخ عبد الله شاه الدهلوي. وفي سند هذه الطريقة أقطاب كبار من بينهم سيدي الشيخ أحمد الفاروقي السَّرَهَنديّ وتعود إلى إمام الطريقة سيدنا بهاء الدين محمد البخاري الأُوَيسيّ المعروف بشاه النقشبندي، والذي يعود سنده إلى أبي يزيد البِسطامي ثم ينتهي إلى الصحابي الجليل سلمان الفارسي عن أول الخلفاء سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثامناً: الطريقة الأحمدية الإدريسية:
تلقاها سيدنا الشيخ عبد الرحمن حسين الشريف عن سيدي إبراهيم الرشيدي بواسطة الشيخ أبو بكر إسماعيل وهو عن سيدي أحمد بن إدريس. ويعود سند هذه الطريقة إلى سيدنا الخضر عليه السلام.
وجميعُ هذه الطرق منتسبةٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهي جميعاً من جملة أهل السنة، وتؤكد على تمسكها بكتاب الله وسنة رسوله ورفض أي خروج عنهما.